تظلموا عدوّهم لضعفه ، بل يجب أن تعدلوا (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى).
(وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أي اعدلوا ، والزموا العدل في كل الأمور ، فإنّ الله يحب المقسطين ، فيجازيهم أحسن الجزاء.
سبب النزول : أخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن جرير (١) وغيرهم في سبب نزول هذه الآية عن أنس رضي الله عنه قال : قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم : لو أتيت عبد الله بن أبي ، فانطلق إليه ، وركب حمارا ، وانطلق المسلمون يمشون ، وهي أرض سبخة ، فلما انطلق إليه ، قال : إليك عنّي ، فو الله لقد آذاني ريح حمارك ، فقال رجل من الأنصار : والله لحمار رسول الله صلىاللهعليهوسلم أطيب ريحا منك ، فغضب لعبد الله رجال من قومه ، وغضب للأنصاري آخرون من قومه ، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فأنزل الله فيهم : (وَإِنْ طائِفَتانِ).
وقيل : كان النبي صلىاللهعليهوسلم متوجها لزيارة سعد بن عبادة في مرضه ، فمر على عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال ما قال ، فرد عليه عبد الله بن رواحة ، فتعصّب لكل أصحابه ، فتقاتلوا ، فنزلت ، فقرأها صلىاللهعليهوسلم فاصطلحوا ، وكان ابن رواحة خزرجيا ، وابن أبي أوسيا.
وقيل : إنّها نزلت في رجل من الأنصار يقال له عمران ، وكان تحته امرأة يقال لها : أم زيد ، وقد أرادت أن تزور أهلها ، فحبسها زوجها ، وجعلها في علية له ، لا يدخل عليها أحد من أهلها ، فبعثت المرأة إلى أهلها ، فجاء قومها ، فأنزلوها لينطلقوا بها ، واستعان الرجل بقومه ، فجاؤوا ليحولوا بين المرأة وأهلها ، فتدافعوا ، وكان بينهم معركة ، فنزلت فيهم هذه الآية ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأصلح بينهم ، وفاؤوا إلى أمر الله (٢).
والخطاب في الآية الكريمة لولاة الأمور ، والأمر فيها للوجوب ، فيجب الإصلاح بالنصح ، فإن أبت إحداهما إلا البغي ، وجب قتالها ما قاتلت ، فإن رجعت عن بغيها ، والتزمت حكم الله تركت.
هذا وقد تمسّك جماعة بما جاء في سبب النزول ، وقالوا : يقتصر في قتال الفئة الباغية على ما دون السلاح ، ولا يجوز مقاتلتهم بالسلاح ، وهو لا يصح أن يتمسّك به. فأنت تعلم أنّ الله قال : (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) وهو أمر بالمقاتلة إلى
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٤٢٤) ، ٣٢ ـ كتاب الجهاد ، ٤٠ ـ باب حديث رقم (١١٧ / ١٧٩٩) ، والبخاري في الصحيح (٣ / ٢٢١) ، ٥٣ ـ كتاب الصلح ، ١ ـ باب ما جاء في الإصلاح ، حديث رقم (٢٦٩١) ، وأحمد في المسند (٣ / ١٥٧).
(٢) انظر تفسير ابن جرير الطبري المسمى جامع البيان في تفسير القرآن (٢٦ / ٨١).