وذلك أن الرشد فضل ، فكأنه قيل : هم الراشدون رشدا ، أو هو مصدر ، وعامله محذوف ، أي تفضل فضلا ، وأنعم نعمة. والفضل : ما في خزائن الله ، وهو مستغن عنه ، والنعمة : ما يصل من الفضل إلى العبد.
(وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يعلم من يتحرّى الخبر ومن لا يتحراه ، ومن يريد الرسول صلىاللهعليهوسلم على ما تقتضي به الحكمة ومن لا يريده ، وهو فوق هذا يعلم الأشياء ، ويعلم الرسول صلىاللهعليهوسلم بها ، ويأمره منها بما تقضي به الحكمة ، فيجب أن تقفوا عند أمره ، وأن تجتنبوا الاقتراح عليه.
قال الله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)) لما حذّر الله المؤمنين نتائج الاستماع لنبأ الفاسق ، أراد أن يبيّن ما يتدارك به الأمر لو وقع ، فقال : (وَإِنْ طائِفَتانِ) الطائفة : أقل من الفرقة ، بدليل قوله تعالى : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) [التوبة : ١٢٢] كذا قيل ، ولك أن تقول : لولا تقدّم الفرقة ما فهم منه هذا المعنى ، فالطائفة الجماعة ، والفرقة الجماعة ، وقد تكون الجماعة قليلة ، وقد تكون كثيرة.
والتعبير (بإن) للإشارة إلى أنّه لا ينبغي أن يقع القتال بين المسلمين ، وأنه إن وقع ؛ فإنما يقع من الندرة والقلة ، التي يشكّ في وجودها ، وجاء (اقْتَتَلُوا) بلفظ الجمع ، مع أنّ الظاهر مجيئه بلفظ التثنية ، لأن الطائفة وإن كان مفردا في اللفظ فهو جمع في المعنى ، فروعي فيه المعنى أولا ، ثم روعي اللفظ ثانيا ، في قوله : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما).
(واقتتلوا) بمعنى تقاتلوا ، والمراد بالإصلاح في قوله : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) الأولى بذل النصح والإرشاد ، وإزالة الشبه التي تكون عند إحداهما ، أو عند كليهما ، ودعوتهما إلى النزول على حكم الله.
(فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى) البغي : العدوان ، والمراد الغلو بغير الحق ، وعدم الإذعان للنصيحة (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي استمرّوا في قتالها حتى ترجع إلى حكم الله ، أو إلى ما أمر الله به من عدم البغي.
(فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) بفصل ما بينهما من أسباب الخصومة ونتائجها ، ولا تكتفوا بمجرد المتاركة والموادعة ، خشية أن تكون إحداهما أو كلاهما تركته تقية ، وانتظارا للفرصة تسنح ، وتقييد الصلح بالعدل هنا لأنه بعد القتال ، وذلك مظنة الحيف ، أي لا يحملنكم ما كان منهم من عناد وبغي على أن تظلموهم ، ولا على أن