قالوا : إليك ، قال : ولم؟ قالوا : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنّك منعته الزكاة ، وأردت قتله قال : لا والذي بعث محمدا بالحق ، ما رأيته بتة ، ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «منعت الزكاة ، وأردت قتل رسولي؟» قال : لا والذي بعثك بالحق ، ما رأيته ولا رآني ، ولا أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسول رسول الله صلىاللهعليهوسلم خشية أن تكون سخطة من الله عزوجل ورسوله ، قال : فنزلت الحجرات : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ).
ولم يختلف الذين رووا أسباب النزول في أنّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان الشخص الذي جاء بالنبإ ، إنما اختلفوا في أسباب قوله ، فمنهم من روى أنّه خاف وفرق حين رأى جماعة الحارث وقد خرجت في انتظاره ، فظنها خرجت لحربه ، ومنهم من روى أنّه كان بينه وبينهم موجدة في الجاهلية ، فجاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : إنّهم قد تركوا الصلاة ، وارتدوا ، وكفروا بالله ، فلم يعجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبعث خالد بن الوليد إليهم ، وقال : «ارمقهم عند الصلاة ، فإن كان القوم قد تركوا الصلاة فشأنك بهم ، وإلا فلا تعجل عليهم».
وهنا يختلف الذين رووا سبب النزول مرة أخرى ، فيروي بعضهم ما قدمنا من أنّهم قدموا ، وقابلوا البعث حيث فصل من المدينة.
ويروي بعض آخر أنّ خالد بن الوليد رضي الله عنه خرج إليهم ، ودنا منهم عند غروب الشمس ، فكمن حيث يسمع الصلاة ، فرمقهم ، فإذا هو بالمؤذن قد قام حين غربت الشمس ، فأذّن ثم أقام الصلاة ، فصلوا المغرب.
فقال خالد : ما أراهم إلّا يصلون ، فلعلهم تركوا غير هذه الصلاة ، ثم كمن حتى إذا جنح الليل وغاب الشفق أذّن مؤذنهم ، فصلوا. فقال : فلعلهم تركوا صلاة أخرى ، فكمن حتى إذا كان في جوف الليل تقدّم حتى أطل الخيل بدورهم ، فإذا القوم تعلّموا شيئا من القرآن ، فهم يتهجدون به من الليل ، ويقرؤونه. ثم أتاهم عند الصبح فإذا المؤذن حين طلع الفجر قد أذّن ثم أقام ، فقاموا فصلوا ، فلما انصرفوا وأضاء لهم النهار إذا هم بنواصي الخيل في ديارهم ، فقالوا : ما هذا؟ قال : خالد بن الوليد. قال : يا خالد ما شأنك؟
فقال : والله أنتم شأني ، أتي النبي صلىاللهعليهوسلم فقيل له : إنكم كفرتم بالله وتركتم الصلاة ، فجعلوا يبكون ، فقالوا : نعوذ بالله أن نكفر بالله أبدا ، فصرف الخيل وردّها عنهم ، حتى أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأنزل الله قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) (١).
وقد عرفت مرارا أنّ الآية تكون عامة ، وإن نزلت على سبب خاص ، ما دام
__________________
(١) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (٦ / ٨٩).