المسلم بالذمي ما رواه الطحاوي عن محمد بن المنكدر ، أن النبي عليه الصلاة والسلام أقاد مسلما بذمي ، وقال : «أنا أحق من وفّى بذمته» (١) وقد روي عن عمر وعلي قتل المسلم بالذمي ، وقال علي : إنّا أعطيناهم الذي أعطيناهم لتكون دماؤهم كدمائنا ، ودياتهم كدياتنا.
وأما حديث : «لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده» (٢) فله ضروب من التأويل أحسنها : أن رجلا من خزاعة قتل رجلا من هذيل بذحل (٣) الجاهلية. فقال عليه الصلاة والسلام : «ألا إنّ كلّ دم كان في الجاهلية فهو موضوع تحت قدميّ هاتين ، لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده» يعني بالكافر الذي قتل في الجاهلية ، فيكون ذلك تفسيرا لقوله : «كلّ دم كان في الجاهلية فهو موضوع تحت قدمي هاتين» ويكون قوله : «ولا ذو عهد في عهده» في معنى قوله : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) [التوبة : ٤] وقد ذكر علماء الأصول تأويلات يمنعنا خوف الإطالة من ذكرها.
وآيات القصاص عامّة في كل قاتل قتل عمدا ، ولكن وردت أحاديث تفيد تخصيصها ، فمن ترجّحت عنده واشتهرت ، خصص بها الآية.
فمن ذلك ما روي عن عمر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «لا يقتل والد بولده». وفي رواية عنه أيضا «لا يقاد الأب بابنه» (٤) ، وقد حكم بذلك عمر أمام جمع من الصحابة من غير نكير ، فكان في منزلة الخبر المستفيض ، فجاز أن يخصّص الآية ، وقد أخذ به أبو حنيفة والشافعي.
وروي عن مالك أنه إذا ظهر منه قصد القتل كأن أضجعه وذبحه قتل به ، وإن رماه بسلاح أدبا ، أو خنقه لم يقتل به.
وقد اختلف العلماء : أتقتل الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في قتله أم لا؟ فذهب أكثر فقهاء الأمصار : مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد والثوري وأبو ثور (٥) وغيرهم إلى أنه تقتل الجماعة بالواحد ؛ قلّت الجماعة ، أو كثرت.
__________________
(١) رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار ط ٢ ، بيروت ، دار الكتب العلمية ١٩٨٧ (٣ / ١٩٥).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) الذحل : الثأر ، العداوة والحقد ، انظر لسان العرب لابن منظور (١١ / ٢٥٦).
(٤) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ١٢) ، كتاب الديات ، باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه حديث رقم (١٤٠٠ ، ١٤٠١).
(٥) إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي ، الفقيه صاحب الإمام الشافعي توفي (٢٤٠ ه) انظر الأعلام للزركلي (١ / ٣٧).