وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلهم جميعا (١).
وقال داود (٢) وأهل الظاهر : لا تقتل الجماعة بالواحد ، واستند إلى ظاهر الآية ، لأنها شرطت المساواة والمماثلة ، ولا مساواة بين واحد والجماعة. وإلى قوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥].
وجمهور الفقهاء نظروا إلى المعنى : وهو أنّ الشارع شرع القصاص لحفظ الأنفس ، (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) ولو علم الناس أن الجماعة لا تقتل بالواحد لتمالأ الأعداء على قتل عدوهم ، وبلغوا مرادهم من قتله ، ونجوا من القود بالاجتماع. والآية لا تدل على أن الجماعة لا تقتل بالواحد ، لأنها جاءت في منع حميّة الجاهلية التي كانت تدعو القبيلة إلى أن تقتل بقتيلها من قتل ومن لم يقتل افتخارا ، بل قد يؤخذ من الآية ما يدل للجمهور ، لأن المراد بالقصاص قتل من قتل كائنا من كان ، واحدا ، أو جماعة.
وقد ذهب مالك والشافعي إلى أنّ (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) يقتضي المماثلة في كيفية القتل ، فيقتص من القاتل على الصفة التي قتل بها. فمن قتل تغريقا ، قتل تغريقا ، ومن رضخ رأس إنسان بحجر فقتله ، قتل برضخ رأسه بالحجر. واحتجوا بحديث أنس «أنّ يهوديا رضخ رأس امرأة بحجر ، فرضخ النبيّ رأسه بحجر» (٣).
وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن المطلوب بالقصاص إتلاف نفس بنفس ، والآية لا تقضي أكثر من ذلك. فعلى أيّ وجه قتله لم يقتل إلا بالسيف. واستدلوا بحديث النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا قود إلا بالسّيف» (٤) وقالوا : قد ورد عن عمران بن حصين وغيره أن النبي صلىاللهعليهوسلم : «نهى عن المثلة» (٥) وقتله بما قتل به قد يؤدي إلى المثلة ، وقد ورد عن شداد بن أوس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة» (٦) فأوجب عموم لفظه
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٨ / ٥٣) ، ٨٨ ـ كتاب الديات ، ٢١ ـ باب إذا أصاب قوم من رجل حديث رقم (٦٨٩٦).
(٢) داود بن علي بن خلف الأصبهاني أبو سليمان الملقب بالظاهري توفي (٢٧٠ ه) انظر الأعلام للزركلي (٢ / ٣٣٣).
(٣) رواه البخاري في الصحيح (٦ / ٢١٥) ، ٦٨ ـ كتاب الطلاق ، ٢٤ ـ باب الإشارة في الطلاق حديث رقم (٥٢٩٥) ، ومسلم في الصحيح (٣ / ١٢٩٩) ، ٢٨ ـ كتاب القسامة ، ٣ ـ باب ثبوت القصاص في القتل حديث رقم (١٥ / ١٦٧٢).
(٤) رواه ابن ماجه في السنن (٢ / ٨٨٩) ، كتاب الديات ، باب لا قود إلا بالسيف حديث رقم (٢٦٦٧).
(٥) رواه البخاري في الصحيح (٦ / ٢٨٤) ، ٧٢ ـ كتاب الصيد ، باب ما يكره من المثلة حديث رقم (٥٥١٦).
(٦) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٥٤٨) ، ٣٤ ـ كتاب الصيد ، ١١ ـ باب الأمر بإحسان الذبح حديث رقم (٥٧ / ١٩٥٥).