وحرمة النكاح بينه وبين سيدته عارضة كحرمة أخت الزوجة ، وما زاد على الأربع
؛ والأمة المزوجة بالغير ، فدلّ ذلك على أنّ قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) لا يشمل العبيد ، وأنّه لبيان حكم الإماء لا غير ، فوجب
أن يكون قوله تعالى : (أَوْ نِسائِهِنَ) مقصورا على الحرائر ، لا يتناول الإماء ، وإلا كان قوله
تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ
أَيْمانُهُنَ) لغوا. وعلى هذا لا يجوز للمرأة أن تبدي لعبدها من زينتها إلا ما يجوز أن
تبديه للأجنبي ، ولا يحلّ له أن ينظر من سيدته إلا ما يحل له أن ينظر إليه من
الأجنبية ، وبهذا قال ابن مسعود ومجاهد والحسن وابن سيرين ، وكذا ابن المسيّب ،
فقد روي أنه رجع إليه وقال : لا تغرنّكم سورة النور فإنّها في الإناث لا في
الذكور. وهو مذهب الحنفية وأحد قولي الشافعي ، ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر
سفرا فوق ثلاث إلا مع ذي محرم»
والعبد ليس بذي
محرم فلا يجوز لها أن تسافر معه. وحينئذ لا يجوز لها أن تبدي له من زينتها ما
تبديه لمحارمها.
وأجاب أصحاب
هذا القول عن حديث أنس السابق بأنّ العبد كان صغيرا إذ إنّ الغلام حقيقة في غير
البالغ.
هذا وللعلماء
خلاف أيضا في المراد بالنساء مع ناحية أخرى هي ناحية الدين : فقال جماعة : إنّ
المراد بهنّ عموم النساء بلا فرق بين المسلمات والكافرات ، وعلى هذا تكون الإضافة
في قوله تعالى : (أَوْ نِسائِهِنَ) للإتباع والمشاكلة ، فيجوز للمرأة المسلمة أن تبدي من
زينتها للمرأة الكافرة ما يحل لها أن تبديه للمسلمة ، وهذا هو أحد قولين عند كل من
الحنفية
والشافعية ، وصححه الغزالي
من الشافعية ، وأبو بكر بن العربي من المالكية ، وقال آخرون : إنّ المراد بهن خصوص النساء المسلمات ،
فتكون الإضافة للاختصاص ، أي النساء المختصات بهن في الصحبة والأخوة في الدين ،
وعلى هذا لا يحل للمسلمة أن تبدي شيئا من زينتها الباطنة للكافرة. واعتمده جمع من
الشافعية.
وقال أبو
السعود من الحنفية : إنّه يصح القولان في مذهبهم ، هو قول أكثر السلف.
أخرج سعيد بن
منصور وابن المنذر والبيهقي في «سننه» عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى
أبي عيبدة رضي الله عنه : أما بعد فإنّه بلغني أنّ نساء من نساء المسلمين يدخلن
الحمامات مع نساء أهل الشرك ، فإنه من قبلك عن ذلك ، فإنّه لا يحل لامرأة تؤمن
بالله واليوم الآخر أن تنظر إلى عورتها إلا من كانت من أهل ملتها.
وأما التابعون
غير أولي الإربة فقد قال الله فيهم : (أَوِ التَّابِعِينَ
غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) الإربة والأرب والأرب والمأربة : الحاجة. والمراد
بالإربة هنا الحاجة إلى
__________________