النساء. والمراد بالتابعين إلخ الذين يتبعون الناس لينالوا من فضل طعامهم ، من غير أن تكون لهم حاجة في النساء ، ولا ميل إليهن.
وفي تعيين المراد بغير أولي الأربة من الرجال أقوال كثيرة للسلف : فنقل عنهم أنّه الشيخ الذي فنيت شهوته ، أو الأبله الذي لا يدري من أمر النساء شيئا ، أو المجبوب ، أو الخصي ، أو الممسوح ، أو خادم القوم للعيش ، أو المخنّث. والذي عليه المعول : أن المراد به كل من ليس له حاجة إلى النساء ، وأمنت من جهته الفتنة ونقل أوصاف النساء للأجانب ، فتعيين نوع من الأنواع السابقة بخصوصه لا يؤدي الغرض المقصود ، فربّما كان أحد هؤلاء أعرف بالنساء ، وأقدر على وصفهن ممن ليس على مثل حاله.
أخرج مسلم وأبو داود والنسائي (١) وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رجل يدخل على أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم مخنّث ، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، فدخل النبي صلىاللهعليهوسلم يوما وهو عند بعض نسائه ، وهو ينعت امرأة قال : إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «أرى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخلنّ عليكنّ هذا» فحجبوه. فأنت ترى أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم حظر دخول ذلك المخنث على نسائه ، لأنّه وصف امرأة أجنبية بحضرة الرجال الأجانب. وقد نهي الرجل أن يصف امرأته لغيره ، فكيف إذا وصفها غيره من الرجال؟.
وأما الأطفال فقد قال الله فيهم : (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) قال الراغب (٢) : كلمة طفل تقع على الجمع كما تقع على المفرد ، فهي مثل كلمة ضيف.
وقيل : هي مفرد ، وصحح وصفه بالجمع أنّه محلى بأل الجنسية ، فهو على حد قولهم : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض. فكأنه قيل : أو الأطفال الذين لم يظهروا ... كما هو منقول عن مصحف حفصة. ويقال : ظهر على الشيء إذا طلع عليه. ويقال : ظهر على فلان إذا قوي عليه.
فعلى الأول يكون المعنى : أو الطفل الذين لم يطلعوا على عورات النساء. وهو كناية عن أنّهم لم يعرفوا ما العورة ، ولم يميزوا بينها وبين غيرها.
وعلى الثاني يكون المعنى : أو الطفل الذين لم يقووا على النساء. أي لم يبلغوا حدّ الشهوة والقدرة على الجماع. والعورات جمع عورة ، وأصلها ما يحترز من الاطلاع عليه ، سواء أكان ذلك من بدن الإنسان أم من متاعه. وغلبت في سوأة الرجل أو المرأة. والمراد بها هنا سوأة المرأة.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٤ / ١٧١٦) ، ٣٩ ـ كتاب السلام ، ١٣ ـ باب منع المخنث حديث رقم (٢١٨١) ، وأبو داود في السنن (٤ / ٣٠) ، كتاب اللباس ، باب في قوله : (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) حديث رقم (٤١٠٧).
(٢) حسين بن محمد بن المفضل ، أبو القاسم ، عالم في التفسير والعربية والأدب ، صاحب كتاب المفردات توفي (٥٠٢) انظر الأعلام للزركلي (٢ / ٢٥٥).