مكتف بنفسه ، بل محتاج إلى العجز؟ ولا يتم الكلام إلى عند قوله : (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) ذهب الحنفية إلى الأول ، والآخرون إلى الثاني.
قال الحنفية : إنّ الله أوجب قتل القاتل بصدر الآية. وهذا يعم كلّ قاتل : سواء كان حرا قتل عبدا أم غيره. وسواء كان مسلما قتل ذميا أم غيره.
وأما قوله : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) فإنما هو بيان لما تقدّم ذكره على وجه التأكيد ، وذكر الحال التي خرج عليها الكلام ، وهي ما كان يفعله بعض القبائل ، من أنهم يأبون أن يقتلوا في عبدهم إلا حرا ، وفي امرأتهم إلا رجلا. على ما جاء في حديث الشعبي. فأبطل ما كان من الظلم ، وأكّد فرض القصاص على القاتل دون غيره ، وإذا كان ذلك كذلك فليس في الآية دلالة على أنه لا يقتل الحر بالعبد ، كما أنها لم تدل باتفاق على أنه لا يقتل الرجل بالمرأة ، وكما أنها تدل على أنه لا يقتل العبد بالحر ، ولا المرأة بالرجل باتفاق أيضا ، فمناط الاستدلال عندهم : أن صدر الآية عامّ ، وذكر الحر بالحر وما بعده ليس تقييدا ، بل هو إبطال لما كانوا يفعلونه من الظلم.
وقالوا : في معنى الآية قوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) [الإسراء : ٣٣] فانتظم جميع المقتولين ظلما ، عبيدا كانوا أو أحرارا ، مسلمين أو ذميين ، وجعل لوليهم سلطانا ، وهو القود.
وقوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥] وهو عموم في إيجاب القصاص في سائر المقتولين ، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ ، ولم نجد ناسخا.
وقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٩٤] وقوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل : ١٢٦].
وقد جاءت السنة أيضا بما يفيد هذا العموم في العبيد ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم» (١) فقال : «المسلمون تتكافأ دماؤهم» ولم يفرّق بين عبد وحرّ في ذلك.
فإن قيل : إن قوله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ) [البقرة : ١٧٨] يفيد أن الآية في المسلمين ، قالوا : إنّ هذا حكم ، وهذا حكم ، وخصوص الثاني لا يفيد خصوص الأول. قال الله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] وهذا عموم في المطلّقة ثلاثا وما دونها ، ثم عطف قوله تعالى : (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة : ٢٣١] وقوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) [البقرة : ٢٢٨].
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٤ / ١٧٩) ، كتاب الديات ، باب إيقاد المسلم بالكافر حديث رقم (٤٥٣٠) ، والنسائي في السنن (٧ ـ ٨ / ٣٩٢) حديث رقم (٤٧٥٩).