ينسخها بحديث ـ أن يعمل ذلك في كل حديث يخالف هذه الآية ، ويذهب إلى إباحة كل حيوان لم ترد بتحريمه ، ولكنّا رأينا من يتمسك بالآية ويردّ بها حديثا يأخذ بحديث آخر ، مع أن الآية تعارضه أيضا.
ولعل المالكية أقرب إلى مقتضى النظر ، لأنه روي عنهم كراهة كثير مما ذكر تحريمه في هذه الأحاديث ، وقد تضمنت الآية تحريم الميتة ؛ والدم ؛ ولحم الخنزير ، وما أهل به لغير الله :
فأما الميتة : فهي ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير قتل ، أو مقتولا بغير ذكاة. وكان العرب في الجاهلية يستبيحونها. فلما حرّمها الله جادلوا في ذلك فحاجّهم الله كما يرى في سورة الأنعام.
وقد وردت أحاديث كثيرة تفيد تخصيص الميتة :
روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أحلّت لنا ميتتان ودمان ، فالميتتان السمك والجراد ، والدمان الكبد والطحال». ذكره الدار قطني.
وورد في «الصحيحين» (١) عن جابر بن عبد الله ، أنه خرج مع أبي عبيدة بن الجراح يتلقى عيرا لقريش قال : وزودنا جرابا من تمر. فانطلقنا على ساحل البحر ، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه. فإذا هي دابة تدعى العنبر ، قال أبو عبيدة ميتة. ثم قال : بل نحن رسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقد اضطررتم ، فكلوا. قال فأقمنا عليه شهرا حتى سمنا. وذكر الحديث. قال : فلما قدمنا المدينة. أتينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكرنا ذلك له. فقال : «هو رزق أخرجه الله لكم ، فهل معكم من لحمه شيء. فتطعموننا؟» قال : فأرسلنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه. فأكله.
وروى مالك عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال في شأن البحر : «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» (٢).
فذهب الشافعية والحنفية إلى تخصيص الميتة في الآية بالحديث الأوّل ، وأحلّوا السمك والجراد الميّتين بغير ذكاة. إلا أن الحنفية حرّموا الطافي من السمك. وأحلوا ما جزر عنه البحر ، لورود حديث يخصّص هذا الحديث المتقدم وهو : عن جابر بن
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٦ / ٢٧٧) ، ٧٢ ـ كتاب الذبائح ، ١٢ ـ باب قول الله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) حديث رقم (٥٤٩٤) ومسلم في الصحيح (٣ / ١٥٣٥) ، ٣٤ ـ كتاب الصيد ، ٤ ـ باب إباحة ميتات البحر حديث رقم (١٧ / ١٩٣٥).
(٢) رواه أبو داود في السنن (١ / ٤٥) ، كتاب الطهارة ، باب الوضوء بماء البحر حديث رقم (٨٣) ، والترمذي في الجامع الصحيح (١ / ١٠٠) في كتاب الطهارة باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور حديث رقم (٦٩).