عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه ، وما مات فيه ، وطفا ، فلا تأكلوه» (١).
أما المالكية فقد رأوا أن حديث «أحلت لنا ميتتان» ضعيف ، ومهما اختلفوا في جواز تخصيص القرآن بالسنة فقد اتفقوا على أنه لا يجوز تخصيصه بحديث ضعيف ، ورأوا أن الحديث الثاني والثالث صحيحان ، فخصّصوا بهما الكتاب ، وأحلوا بهما السمك ، وبقي الجراد الميت على تحريم الميتة ، لأنه لم يصح فيه شيء عندهم.
ومن لا يجيز تخصيص القرآن بالسنة يرى أن الذي خصص ميتة السمك قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ) [المائدة : ٩٦] فأما صيده فهو ما أخذ بعلاج ، وأما طعامه فهو ما وجد طافيا أو جزر عنه البحر.
وقد ذهب أبو حنيفة إلى تحريم الجنين الذي ذبحت أمّه وخرج ميتا استنادا إلى أنّه ميتة ، وحرمت الآية الميتة ، وقد خالفه في ذلك صاحباه والشافعيّ وأحمد ، وذهبوا إلى حله ، لأنه مذكى بذكاة أمه.
وذهب مالك إلى أنه إن تمّ خلقه ونبت شعره ، أكل ، وإلا لم يؤكل.
والحجة لهم ما ورد من قوله صلىاللهعليهوسلم : «ذكاة الجنين ذكاة أمه» وهو يفيد أن ذكاة أمه تنسحب عليه.
وقد قال من ينتصر لأبي حنيفة : إنّ الحديث كما يحتمل ما ذهبتم إليه ، يحتمل معنى آخر ، هو : أن ذكاته كذكاة أمه ، فيكون على حدّ قوله :
فعيناك عيناها وجيدك جيدها |
|
ولكنّ عظم السّاق منك دقيق |
وإذا احتمل ذلك فلا يخصّص الآية.
ويبعد هذا أنّ الحديث ورد في سياق سؤال ، فقد ورد عن أبي سعيد ، أنه صلىاللهعليهوسلم سئل عن الجنين يخرج ميتا ، فقال : «إن شئتم فكلوه ، إنّ ذكاته ذكاة أمّه» (٢).
وقد اختلف في الانتفاع بدهن الميتة في غير الأكل ، كطلاء السفن ودبغ الجلود ، فذهب الجمهور إلى تحريمه ، واستدلوا بالآية ، لأنهم يرون أن الفعل المقدر هو الانتفاع بأكل أو غيره ، وبما روي عن جابر ، قال : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة ، أتاه أصحاب الصليب ـ وهو الودك الذي يستخرج من العظم ـ الذين يجمعون الأوداك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنّا نجمع
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٣ / ٣٧٠) ، كتاب الأطعمة ، باب في الطافي من السمك حديث رقم (٣٨١٥).
(٢) رواه أبو داود في السنن (٣ / ١٨) ، في كتاب الأضاحي ، باب ما جاء في ذكاة الجنين حديث رقم (٢٨٢٧) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ٦٠) ، كتاب الأطعمة ، باب ما جاء في ذكاة الجنين حديث رقم (١٤٧٦).