والآية تفيد الحصر ، فظاهرها إثبات التحريم لما ذكر من الحيوان ، ونفيه عما عداه ويؤكد ذلك ما جاء في آية الأنعام (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) [الأنعام : ١٤٥] ، وهذا الظاهر تعارضه أحاديث كثيرة وردت في تحريم السباع ، والطير ، والحمر الإنسية ، والبغال. فقد ورد عن أبي ثعلبة الخشنيّ أنه قال : «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أكل كلّ ذي ناب من السّباع» رواه البخاري ومسلم (١).
وروى مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أكل كلّ ذي ناب من السّباع ، وكلّ ذي مخلب من الطّير حرام» ذكره أبو داود (٢).
وروي عن جابر أنه قال : «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهليّة ، وأذن في لحوم الخيل» (٣).
الأحكام
ولما كان هذا التعارض بين ظاهر الآية وهذه الآثار اختلف الفقهاء اختلافا كثيرا فروي عن مالك أنه يكره لحوم السباع. والشافعي ، وأبو حنيفة وأحمد يحرّمونها. وروي ذلك عن مالك أيضا ، وجوز قوم أكل سباع الطير ، وحرّمها آخرون.
وذهب الجمهور إلى تحريم الحمر الإنسية ، وروي ذلك عن مالك ، وروي عنه أيضا أنه يكرهها ، وحرّم الجمهور البغال ، وكرهها قوم ، وهو مروي عنه.
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى تحريم الخيل ، وذهب الشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد : إلى إباحتها ، فالذي يذهب إلى حل شيء مما ذكر يستند إلى الآية ، ويذهب إلى عمومها ، ويحمل الحديث على نهي الكراهة ، أو يبطله لمكان معارضته للآية.
والذي يذهب إلى تحريم شيء مما ذكر يستند إلى الحديث الوارد في التحريم ، وينسخ به الآية ، أو يرى أنه لا معارضة ، ويرى أن الحصر في هذه الآية وآية الأنعام إضافي ، بالإضافة إلى ما كانوا يعتقدون حرمته من البحائر. والسوائب ، وما إليها.
وكان مقتضى النظر أن من يذهب إلى أن الحصر في الآية حقيقي ـ ولم يشأ أن
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٦ / ٢٨٦) ، ٧٢ ـ كتاب الذبائح ، ٢٩ ـ باب أكل كل ذي ناب حديث رقم (٥٥٣٠) ومسلم في الصحيح (٣ / ١٥٣٣) ، ٣٤ ـ كتاب الصيد ، ٣ ـ باب تحريم أكل كل ذي ناب حديث رقم (١٢ / ١٩٣٢).
(٢) هذا الحديث رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٥٣٤) ، ٣٤ ـ كتاب الصيد ، ٣ ـ باب تحريم أكل كل ذي ناب حديث رقم (١٦ / ١٩٣٤).
(٣) رواه البخاري في الصحيح (٦ / ٢٨٥) ، ٧٢ ـ كتاب الذبائح ، ٢٨ ـ باب لحوم الحمر الإنسية حديث رقم (٥٥٢٤) ، ومسلم في الصحيح (٣ / ١٥٤١) ، ٣٤ ـ كتاب الصيد ، ٦ ـ باب في أكل لحوم الخيل حديث رقم (٣٦ / ١٩٤١).