اللهِ) [الأحزاب : ٦] أي بعضهم أولى بميراث بعض بسبب الرحم ، فهذه الآية دلّت على استحقاقهم جميع الميراث بصلة الرحم ، وآية المواريث أوجبت استحقاق جزء معلوم من المال لكل واحد منهم ، فوجب العمل بالآيتين ، بأن يجعل لكل واحد فرضه بتلك الآية ، ثم يجعل ما بقي مستحقا لهم للرحم بهذه الآية ، ولهذا لا يرد على الزوجين بوصف الزوجية ، لانعدام الرحم في حقهما ، إذا لم يكونا من ذوي الأرحام.
٤ ـ قد يجتمع ذوو فروض مقدّرة في كتاب الله ، فإذا ذهبنا نعطيهم فروضهم المقدّرة ضاقت التركة عن أنصبائهم ، كزوج ، وأخت شقيقة ، وأم ، فلو أخذت الأخت النصف ، والزوج النصف ، والأمّ الثلث ، استغرق النصفان التركة ، ولم يبق فيها ثلث ، ولم تحدث مسألة كهذه في عهده صلىاللهعليهوسلم ، وإنما أول ما حدثت في عهد عمر رضي الله عنه.
وقد اختلف رأيه ورأي ابن عباس ، فكان رأي عمر العول ، وهو أول من حكم بالعول في الإسلام ، وذلك أنّه قسّم التركة على سهامهم ، فأدخل النقص عليهم جميعا ، تشبيها بالغرماء إذا ضاق المال عن ديونهم ، فإنهم يتحاصّون بقدر ديونهم ، وذهب ابن عباس إلى أنه يقدّم ما قدم الله ، ويؤخّر ما أخر ، وهذا الأثر الذي سنتلوه عليك يشرح لك المسألة.
ذكر «شارح السراجية» (١) أن أول من حكم بالعول عمر ، فإنه وقعت في عهده صورة ضاق مخرجها عن فروضها ، فشاور الصحابة فيها ، فأشار العباس بالعول ، وقال : أعيلوا الفرائض ، فتابعوه على ذلك ، ولم ينكره أحد إلا ابنه بعد موته ، فقيل له : هلا أنكرته زمن عمر ، فقال : هبته ، وكان مهيبا.
وسأله رجل كيف تصنع بالفريضة العائلة؟ فقال أدخل الضرر على من هو أسوأ حالا ، وهن البنات والأخوات ، فإنهنّ ينقلن من فرض مقدّر إلى فرض غير مقدّر ، فقال رجل : ما تغنيك فتواك شيئا ، فإنّ ميراثك يقسّم بين ورثتك على غير رأيك فغضب وقال : هلا تجتمعون حتى نبتهل ، فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، إنّ الذي أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في مال نصفين وثلثا.
ونحن نرى أن هنا أصلين يمكن أن تقاس هذه المسألة على كل منهما :
الأصل الأول : إن التركة يقدم فيها الأهم ك (التجهيز) على المهم ك (الدين) ويقدم الدين على الوصية ، فكذلك هذه المسألة ، وإلى هذا ذهب ابن عباس.
__________________
(١) علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني فيلسوف من كبار العلماء بالعربية ، انظر الأعلام للزركلي (٥ / ٧).