إنّا لم نجد معاوية في حال من الحالات يسلك في كلامه مسلك الزهاد ولا يذهب مذاهب العباد وإنما نكتب لكم ونخبر بما سمعناه. والله أعلم بأصحاب الأخبار وبكثير منهم.
وفي الحق أن الناقد المتأمل لا تُخالِجُهُ ريبة في أن هذه الخطبة أحرى بها أن تعزى إلى الإمام ، إذ ترى روحه واضحة جلية فيها أسلوباً ومعنى وغرضاً ، وكأني بالجاحظ يبغي أن يقول : إن الرواة نحلوها معاوية وهو يتشكك في صدق روايتهم هذه كما يلمح من قوله : (والله أعلم بأصحاب الأخبار وبكثير منهم) ، ولكنه يتحرج من المجاهرة بذلك لأنه (إنما يكتب ويخبر بما سمعه).
أقول : ويؤيد ما احتملناه إسناد الوزير الآبي بعض الخطب إلى زيد الشهيد في حين أنها مسندة في النهج إلى جده الإمام عليه السلام ، ويعتز سند الشريف الرضي بالمصادر القديمة لخطب النهج التي تروي هاتين الخطب عن أمير المؤمنين عليهالسلام فلا يكون إلقاء زيد الشهيد لها ضرباً من الاقتفاء والاقتباس.
الشبهة الثالثة : إن المجموع من خطبه عليهالسلام يتضمن أنباء غيبية وأخبار الملاحم والفتن مما يختص علمه بالله وحده.
والجواب عنها : إنَّ الغيب يختص علمه بالله سبحانه ومن ارتضاهم من أنبيائه وأوليائه وكم حوت السنة النبوية أنباء غيبية وأخباراً عن الملاحم والفتن ، وما ذلك عن النبي الكريم إلا بوحي من ربه العليم الخبير ، كذلك لا يَنْطِقُ ابن عمه وربيب حجره وصاحب سره في الملاحم والخفايا إلا خر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم، ولقد قيل له عليهالسلام: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين