قرب الشجرة على وجه الإرشاد إلى ما فيه الرّاحة العاجلة وان كان في خروجه منها والابتلاء بمحن هذه الدّار الفوز بالكرامة العظيمة الاجلة الّتي أوجبت خلقه أوّلا لذلك لا للكون في الجنّة الّتي كان فيها أوّلا فانّها نازلة الرتبة يسيرة الخطب بالنسبة إلى جنّة الخلد فأطلق العصيان باعتبار مخالفة ما أرشده إليه ممّا فيه الخلاص عن المشاقّ الدّنيوية.
وعندي أنّ هذا الوجه أظهر الوجوه وان لم يحضرني من صرّح به من الأصحاب وغيرهم ، نعم قد يستفاد من فحاوي بعض الأخبار الدالّة على أنّ المقصود من خلقه تعمير الأرض وإسكانه فيها كما هو الظاهر من الآية ايضا ، ففي «تفسير العياشي» و «القصص» عن أبي جعفر عليهالسلام انّ آدم لمّا هبط عليه ملك الموت قال : اشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد انّي عبد الله وخليفته في ارضه ابتداني بإحسانه وأسجد لي ملائكته وعلّمني الأسماء كلّها ثمّ أسكنني جنّته ولم يكن جعلها دار قرار ولا منزل استيطان ، وانّما خلقني لأسكن (١) الأرض للّذي أراد من التقدير والتّدبير.
وزاد في تفسير العيّاشي : وقدّر ذلك كلّه قبل أن يخلقني ، فمضيت في قدرته وقضائه ونافذ أمره ، ثمّ نهاني أن آكل من الشجرة ، فعصيته وأكلت منها فأقالني عثرتي وصفح لي عن جرمي ، فله الحمد على جميع نعمه عندي حمدا يكمل به رضاه عنّي (٢).
__________________
(١) في البحار : ليسكنني.
(٢) البحار ج ٢٣ ص ٦١.