والجواب عن هذه الوجوه من وجهين : الإجمال والتفصيل ، أمّا الإجمال : فهو أنّ هذه الوجوه ظواهر مستفادة من الأدلّة اللفظيّة بعد فرض دلالتها وسلامتها عن المناقشات وما ذكرناه من الإجماع والضرورة دليل العقل على لزوم العصمة ادلّة قطعيّة لا تحتمل الرّد والتّخصيص فيجب التّصرف في الظّواهر بصرفها عن ظاهرها وحملها على ما لا ينافي تلك الأدلّة كما هو القانون في تعارض الظنّي والقطعي ، وهذا الجواب الإجمالي جار في غير المقام ايضا من الموارد الّتي استدلّوا فيها ببعض الظّواهر على نفي عصمتهم.
وأمّا التّفصيل : فقد أجيب عن الأوّل بوجوه : أحدها : ما يظهر من فحاوي بعض الأخبار من انّ الأمر لم يكن على وجه الوجوب ولا النّدب بل كان امرا إرشاديّا وذلك انّه سبحانه كان خلقه لعمارة الأرض وخلافتها كما أخبر به ملائكته قبل خلقه بقوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (١) فلمّا خلقه الله سبحانه بيده وفسح له في جنّته ونعمته أعلمه انّه ان كان يريد البقاء في الجنّة ودوام الّراحة فلا بدّ أن لا يقرب الشجرة ولذا خاطبه بقوله : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (٢) وبيّن له انّه مع اكله من الشجرة لا بدّ أن يخرج منها إلى الدّنيا ويجعل له ولذّريته الأرض بساطا ومعاشا مع ابتلائهم فيها بأنواع المحن والمشاق والبليّات وشرط لهم العدو إلى تلك الجنّة ثمّ إلى جنّة الخلد مع الانقياد والطّاعة وامتثال التكاليف في الدّنيا ولذّاتها والنهي عن
__________________
(١) البقرة : ٣٠.
(٢) طه : ١١٧ ـ ١١٨ ـ ١١٩.