والقبول واثّر فيهما يجب أن يمنع المعجز منه ، فلهذا قلنا : انّه يدلّ على نفي الكذب والكبائر عنهم في غير ما يؤدّونه بواسطة ، وفي الأوّل يدلّ بنفسه ، وأمّا إنّ تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض بالبعثة من القبول والامتثال فلأنّه لا شبهة في أنّ من نجوّز عليه كبائر المعاصي ولا نأمن منه الإقدام على الذّنوب لا تكون أنفسنا ساكنة إلى قبول قوله واستماع وعظه سكونها إلى من لا نجوّز عليه شيئا من ذلك ، وهذا هو معنى قولنا : انّ وقوع الكبائر ينفّر عن القبول ، والمرجع فيما ينفرّ وما لا ينفرّ إلى العادة واعتبار ما يقتضيه ، وليس ذلك ممّا يستخرج بالأدلّة والمقاييس ، ومن رجع إلى العادة علم ما ذكرناه ، وانّه من أقوى ما ينفرّ عن قبول القول وان حظّ الكبائر في هذا الباب ان لم يزد عن حظّ السخف (١) والمجون (٢) والخلاعة (٣) لم ينقص منه.
فان قيل : أليس قد جوّز كثير من النّاس على الأنبياء الكبائر ، مع انّهم لم ينفروا عن قبول أقوالهم والعمل بما شرّعوه من الشرائع ، وهذا ينقض قولكم : إنّ الكبائر منفّرة.
قلنا هذا سؤال من لم يفهم ما أوردناه ، لأنّا لم نرد بالتنفير ارتفاع التصديق وأن لا يقع امتثال الأمر جملة ، وانّما أردنا ما فسّرناه من أن سكون النفس إلى قبول قول من يجوّز ذلك عليه لا يكون على حدّ سكونها إلى من لا نجوّز ذلك عليه ، وإنّا مع تجويز الكبائر نكون أبعد من قبول القول ، كما أنّا مع الأمان من الكبائر نكون أقرب إلى القبول ، وقد يقرب من الشيء ما لا يحصل الشيء عنده ، كما يبعد عنه ما
__________________
(١) السخف : رقّة العقل ونقصانه.
(٢) المجون : المزاح وقلة الحياء وصلابة الوجه.
(٣) الخلاعة : الانقياد للهوى والتهتك والاستخفاف.