والحكمة في ذلك أنّه لا وصول إلى الأسماء ووجوه الاستعبادات الّا من طريق السماع ، والعقل غير متوجّه إلى ذلك ، لأنّه لو أبصر عاقل شخصا من بعيد او قريب لما توصّل إلى استخراج اسمه ، ولا سبيل إليه إلّا من طريق السّماع ، فجعل الله عزوجل العمدة في باب الخليفة السّماع ، ولمّا كان كذلك أبطل به باب الاختيار ، إذ الاختيار من طريق الآراء ، وقضية الخليفة موضوعة على الأسماء والأسماء موضوعة على السّماع ، فصحّ به ، ومعه مذهبنا من أنّ الامامة لا تكون إلّا بالنّص والإشارة ، فأمّا باب الإشارة فمضمر في قوله عزوجل : (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) ، فباب العرض مبنيّ على الشخص والإشارة ، وباب الاسم مبنيّ على السمع ، فصح معنى الإشارة والنصّ جميعا ، وللعرض الذي قال الله تعالى ثمّ عرضهم على الملائكة معنيان : أحدهما عرض اشخاصهم وهيئاتهم كما روينا في أخبار أخذ الميثاق والذّر ، والوجه الاخر أن يكون عزوجل عرضهم على الملائكة من طريق الصفة والنّسبة ، كما يقوله قوم من مخالفينا فمن كلا المعنيين يحصل استعباد الله عزوجل الملائكة بالإيمان بالغيبة (١) انتهى كلامه زيد مقامه.
الثالث : انّه يستفاد من قوله سبحانه : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) انّ واضع اللّغات هو الله سبحانه كما استدلّ به عليه وذلك لأنّ المراد بالأسماء امّا بالألفاظ الدّالة على المسمّيات ، أو الأشياء الّدالة مطلقا أو البعض من أحدهما او كليهما ، والأخيران مدفوعان بظهور الجمع المحلّى في العموم ، سيّما مع تأكيده بلفظ الكلّ الصّريح في افادة العموم ، مضافا إلى عدم القول بالفصل بين البعض والكلّ ، وعلى
__________________
(١) كمال الدين : ج ١ ص ١١ ـ ١٦.