اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) (١) فما أقدر أن أضمّ إليها في فصاحتها وجمع معانيها فشغلتني هذه الآية عن التفكّر فيما سواها.
وقال عبد الملك : وأنا منذ فارقتكم متفكّر في هذه الآية : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) (٢) ولم أقدر بمثلها.
فقال أبو شاكر : وأنا منذ فارقتكم متفكّر في هذه الآية : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٣) ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفّع : يا قوم إنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر ، وأنا منذ فارقتكم متفكّر في هذه الآية : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) (٤) لم أبلغ غاية المعرفة بها ، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
قال هشام بن الحكم : فبيناهم في ذلك إذ مرّ بهم جعفر بن محمّد الصّادق عليهماالسلام فقال : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (٥).
فنظر القوم بعضهم إلى بعض وقالوا : لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت وصيّة محمّد صلىاللهعليهوآله إلّا إلى جعفر بن محمّد صلىاللهعليهوآله ، والله ما رأيناه قطّ إلّا هبناه
__________________
(١) يوسف : ٨٠.
(٢) الحجّ : ٧٣.
(٣) الأنبياء : ٢٣.
(٤) هود : ٤٤.
(٥) الإسراء : ٤٤.