والحقائق ، فالعبارة للعوامّ والإشارة للخواصّ ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء (١).
ومن جميع ما مرّ يظهر الجواب عن اقتصار المفسّرين على الظاهر ، بل وعن الاستبعاد الذي في السؤال حسبما قد ينسبق الى بعض الأذهان وإن لم ينطق به اللسان بعد تظافر الأخبار ، وتكاثر الآثار ، بل قد ظهر مما مرّ ومن التأمل في وجوه التأويلات ، والبطون المأثورة في الأخبار أنّ وجوه الدلالة فيها غير منحصرة في جهة واحدة ، بل منها من جهة الحمل على الحقيقة الأوليّة ، والحقيقة بعد الحقيقة واعتبارها في ساير المجالي التي ينبغي التعبير عنها بالمصاديق والأفراد حسبما تأتي اليه الاشارة في تحقيق البطون ، ومنها من جملة الاستنباطات العددية ، والقواعد التكسيرية ، والاعتبارات الوفقية ، وغير ذلك مما يطول شرحها ، ومنها من جهات أخرى لا يحيط بأكثرها الأفهام ، ولا يجري عليها الأقلام بل لعله لا يدرك نوع سنخيته بوجه من الوجوه فضلا عن إدراك حقيقته ، والاطّلاع على كلّية قاعدته.
وأمّا ما حكاه في «الصافي» ملخّصا عن بعض أهل المعرفة من أنّ العلم بالشيء إما يستفاد من الحسّ برؤية ، أو تجربة ، أو سماع خبر ، أو شهادة ، أو اجتهاد ، أو نحو ذلك ، ومثل هذا العلم لا يكون إلّا متغيرا فاسدا محصورا متناهيا غير محيط ، لأنه إنما يتعلّق بالشيء في زمان وجوده علم ، وقبل وجوده علم آخر ، وبعد وجوده علم ثالث ، وهكذا كعلوم أكثر الناس.
وإما يستفاد من مباديه ، وأسبابه ، وغاياته علما واحدا كليا بسيطا محيطا على وجه عقليّ غير متغيّر ، فإنّه ما من شيء إلّا وله سبب ، ولسببه سبب ، وهكذا
__________________
(١) بحار الأنوار ج ١٩ ص ٣٧ ط. القديم عن الدرّة الباهرة.