وابن بطّة (١) ، وأبو يعلى (٢) في مصنّفاتهم عن الأعمش ، عن أبي بكر (٣) بن عيّاش في خبر طويل أنّه قرأ رجلان ثلاثين آية من الأحقاف. فاختلفا في قراءتهما ، فقال ابن مسعود : هذا خلاف ما أقرأه ، فذهبت بهما إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، فغضب وعليّ عنده ، فقال عليّ : رسول الله صلىاللهعليهوآله يأمركم أن تقرؤوا كما علّمتم. وهذا دليل على علم عليّ بوجوه القرآن المختلفة.
وروى أنّ زيدا لمّا قرأ «التابوه» (٤) (٥) قال عليّ عليهالسلام : اكتبه «التابوت» ، فكتبه كذلك ، والقرّاء السبعة إلى قراءته يرجعون. (٦)
فأمّا حمزة والكسائي فيعوّلان على قراءة عليّ وابن مسعود ، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود ، فهما إنّما يرجعان إلى عليّ ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الإعراب ، وقد قال ابن مسعود : ما رأيت أحدا أقرأ من علي ابن أبي طالب عليهالسلام للقرآن.
وأمّا نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو فمعظم قراءاتهم ترجع إلى ابن عبّاس ،
__________________
(١) هو عبيد الله بن محمد العكبري الحنبلي المعروف بابن بطة توفّي (٣٨٧) ـ العبر ج ٣ ص ٣٤.
(٢) هو أبو يعلى الموصلي أحمد بن علي الحافظ المتوفّى (٣٠٧) ـ العبر ج ٢ / ١٤٠.
(٣) هو : أبو بكر شعبة بن عيّاش بن سالم الحنّاط الأسدي توفّي سنة (١٩٣) ـ غاية النهاية ج ١ ص ٣٢٥ رقم ١٣٢١.
ولا يخفى أنّ الأعمش من شيوخ أبي بكر بن عيّاش وتوفّي سنة (١٤٨) ولا يروي عن تلميذه ، بل الأمر بالعكس ، فالظاهر أنّ في العبارة تقديما وتأخيرا.
(٤) البقرة : ٢٤٨.
(٥) قال الطبرسي في «مجمع البيان» ج ٢ ص ٣٥٢ : التابوت بالتاء لغة جمهور العرب ، والتابوه بالهاء لغة الأنصار.
(٦) المناقب ج ٢ ص ٤٢.