** (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية عشرة .. المعنى : ما كذب فؤاد محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ما رآه ببصره من صورة جبريل ـ عليهالسلام ـ أي ما قال فؤاده لما رآه : لم أعرفك لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره ويؤيد ذلك أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سئل : هل رأيت ربك؟ فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : رأيته بفؤادي .. وبمعنى ما كذب فؤاد محمد من عجائب الملكوت ما رآه بصره منها لأنه كان عرفها قبل أن يراها أو ما كذب القلب البصر بما حكاه له فإن العلويات تدرك أولا بالقلب ثم تنتقل منه إلى البصر.
** (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية والعشرين والإشارة إلى القسمة الجائرة .. وعن هذا الحرف «إذا» و «إذن» ومعناه وطريقة رسمه ـ رسم آخره ـ بعض الآراء واختلف في كتابته وهو في الآية الكريمة حرف ملغى لأنه جاء في وسط الكلام. ويرى الفراء أن اللفظة تكتب بالألف وأنها منونة وقال غيره من علماء اللغة تكتب بالنون لأنها مثل «لن» و «أن» ولا يدخل التنوين في الحروف ويرى الزركشي وهو من المفسرين أن معنى «إذن» الجواب والجزاء في حين يرى التنوخي وهو من البلاغيين أن معناها التقرير والتعليل. وقيل إذا كانت «إذن» متوسطة في الكلام فهي ملغاة أي عدم نصبها الفعل المضارع وكتابتها بالألف «إذا» وإن كانت في أول الكلام وكان الذي بعدها مستقبلا نصبت الفعل أما فيما يتعلق بكتابتها فقد نص الرماني على أن اختيار البصريين هو أن تكتب «إذا» بالألف وأما اختيار الكوفيين فهو كتابتها بالنون «إذن» وهذا خلاف ما ذكره ابن النحاس الذي قال بإلغائها في القرآن الكريم ويجوز ذلك في كلام العرب في حين قال المبرد : أشتهي أن أكوي يد من يكتب «إذن» بالألف لأنها مثل «لن» و «أن» ولا يدخل التنوين في الحروف. وعد حكي كتابتها بالنون عند حذاق النحويين ونسب إلى الفراء كتابتها بالألف. و «ضيزى» بمعنى : جائرة وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم ـ صلىاللهعليهوسلم ـ باستفتاء قريش عن وجه القسمة الجائرة .. وقد كانت قريش تكره البنات بشدة وتئدهن أي يدفنونهن وهن حيات وهي عادة جاهلية منعها الإسلام بعد انتشاره. وكانت كندة تئد البنات وقال الفرزدق :
ومنا الذي منع الوائدات |
|
وأحيا الوئيد فلم توأد |
يعني الفرزدق بشعره الذي قاله مفتخرا جده صعصعة .. قدم على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فعرض عليه الإسلام فأسلم فقال : وما عملت؟ قال : أحييت ثلاثا وستين من الموءودة اشترى كل واحدة منهن بناقتين عشراوين وجمل ؛ فهل لي في ذلك أجر؟ فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : هذا من باب البر ولك أجره إذ من الله عليك بالإسلام. و «الوئيد» في بيت الشعر بمعنى : الموءودة. كان الرجل منهم إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها ـ أن يتركها حية ـ ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية .. وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمها : طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها وقد حفر لها بئرا في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها : انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض. يقال : وأد البنت يئدها .. من باب «وعد» بمعنى : دفنها حية فهي موءودة ووئيدة ووئيد ـ فعيل بمعنى مفعول ـ وهو وائد ـ اسم فاعل ـ وقيل : الفعل «وأد ـ يئد ـ مقلوب من «آد ـ يئود : إذا أثقل .. يقال : وأد فلانا : أي أثقله لأنه إثقال بالتراب.