يقول الشاعر : رب كاس شربت لطلب اللذة .. وكأس شربت للتداوي من خمارها .. كما قيل : ذهب الخمار بلذة الخمر. ومن معنى البيت قوله :
تداويت من ليلى بليلى من الهوى |
|
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر |
وقيل : يقال للزجاجة فيها خمر : كأس .. وتسمى الخمر نفسها كأسا. وعن الأخفش : كل كأس في القرآن فهي الخمر .. وكذا في تفسير ابن عباس .. وهو مجاز شائع.
** (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة والأربعين .. المعنى : وهذه الخمر لا تسكر ولا تغتال العقول .. من أنزف الشارب .. أي ذهب عقله أي إن هذا الكأس أي الخمر لا غائلة فيها : بمعنى : لا تغتال العقل : أي تذهب به بمعنى : تأخذه غيلة أي خلسة وهو غافل أو على معنى : غائلة : وهي الصداع. من غاله ـ يغوله ـ غولا .. من باب «قال» واغتاله : إذا أخذه من حيث لم يدر .. وفي الآية الكريمة المعنى : ليس فيها صداع أو غائلة الصداع لأنه سبحانه قال في آية كريمة تالية : (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) و «الغول» بفتح الغين : الذي يغتال العقول .. أما الغول .. بضم الغين فهو من السعالي ـ أي تلفظ بالياء المنقوصة والألف المقصورة وجمعه أغوال وغيلان وكل ما اغتال الانسان فأهلكه فهو غول .. وأطلق على «الغضب» : غول الحلم لأنه يغتاله ويذهب به حيث قيل : أية غول أغول من الغضب .. واغتاله ـ غيلة : أي قتله. والغول : أحد المستحيلات الثلاثة. وقد اختلف في وجوده .. فمنهم من ينكر وجوده أصلا والعرب تسمي كل داهية غولا. وقال الكسائي : الغوائل ـ جمع غول ـ هي الدواهي .. وأراد الشاعر تأبط شرا أن يثبت وجود «الغول» بقوله :
بأني قد لقيت الغول تهوي |
|
بسهب كالصحيفة صحصحان |
يقول الشاعر : لقيت الغول تهبط بسهب أي بفضاء بعيد في الأرض والصحيفة : هي الكتاب والتصحيف : هو الخطأ في الصحيفة .. وقاع صحصحان وصعصعان : أي قاع مستو كأنه بلغ من السهب لما فيه من مبالغة الصحة وهي استواء واعتدال .. أما «ينزفون» في الآية الكريمة المذكور فمعناه ولا هم عنها تنزف عقولهم وهو فعل مضارع مبني للمجهول قياسا وللمعلوم سماعا لأنه من الأفعال التي سمعت عن العرب ملازمة للمجهول أي ملازمة للبناء للمجهول سماعا ويعربون المرفوع بعده فاعلا على السماع.
** (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والأربعين. و «عين» جمع «عيناء» مؤنث «أعين» و «الأعين» هو من عنده عين ـ بفتح العين والياء ـ وهو كبر سواد العين مع سعة .. و «الطرف» هو العين. ولا يجمع لأنه في الأصل مصدر فيكون واحدا وجمعا قال تعالى في سورة «إبراهيم» : (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) و «الحور» بفتح الحاء والواو مثل «الطرف» له صلة بالعين أيضا وهو مثله مصدر .. وفعله : حور .. من باب «فرح» أو «تعب» نحو : حورت العين ـ تحور ـ حورا : أي اشتد بياض بياضها وسواد سوادها فالعين : حوراء وصاحبها أحور وجمعه : حور .. ويقال : الحور هو اسوداد المقلة كلها كعيون الظباء. قالوا : وليس في الإنسان حور وإنما قيل ذلك في النساء على التشبيه .. وفي مختصر العين : ولا يقال للمرأة : حوراء إلا للبيضاء مع حورها ويقال : احورت العين احورارا : بمعنى : حورت وبمعنى : ابيضت نحو احورّ الشيء : أي ابيض ـ وزنا ومعنى ـ وقال الأصمعي : ما أدري ما الحور في العين. وقال أبو عمرو : الحور هو أن تسود العين كلها مثل أعين الظباء والبقر قال : وليس في بني آدم حور وإنما قيل للنساء : حور العيون تشبيها بالظباء والبقر. و «الحور» جمع «حوراء» ومنه هذه امرأة حوراء أي بينة الحور.