فيصطفون صفا بعد صف محدقين بالجن والإنس وقوله (وَجاءَ رَبُّكَ) معناه : وظهرت آيات قدرة الله ومعنى إسناد المجيء لله هو تشبيه لظهور آيات اقتداره سبحانه وتبيين آثار قهره وسلطانه شبهت الحالة في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور خواصه عن بكرة «أبيهم» أي جميعهم.
** (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة .. التقدير : ورب المشارق والمغارب .. مثل ورب السموات والأرض فحذف «والمغارب» اختصارا لأنه معلوم أو اكتفى بالمشارق لأنها أدل على قدرته سبحانه. أي مشارق الكواكب. وبعد حذف المضاف إليه «الكواكب» عوض المضاف «مشارق» بالألف واللام عن حذف المضاف إليه.
** (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة .. المعنى إنا زينا السماء القربى بزينة الكواكب .. والكواكب : بدل من «زينة» وهو بدل المعرفة من النكرة وكما يجوز بدل النكرة من المعرفة كما في قوله تعالى في سورة «البقرة» : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) فإن «قتال» هو اسم نكرة جاء بدلا من المعرفة «الشهر» فكذلك يجوز إبدال المعرفة «الكواكب» من النكرة «زينة».
** (دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة .. المعنى : ويطردون طردا وإبعادا قويا وهو مصدر «دحر» يقال : دحره ـ يدحره ـ دحورا .. من باب «خضع» يخضع خضوعا .. بمعنى : طرده وأبعده .. والمعنى في الآية : يقذفون قذفا لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى ونقول : دحرنا القوات المعتدية دحورا : أي طردناها وأبعدناها فالقوات المعتدية مدحورة ـ اسم مفعول ـ ونحن داحرون ـ اسم فاعل ـ ولا نقول : اندحرت القوات فهي مندحرة لأن هذا الفعل «دحر» لم يأت منه الفعل المطاوع ـ اندحر ـ مثل الفعل «كسر» نحو : كسرنا الزجاج فانكسر.
** (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة عشرة ..
المعنى : وقالوا : ما هذا الذي تأتينا به ـ أي القرآن ـ أو الذي نراه .. فحذف النعت أو البدل المشار إليه «القرآن» اختصارا لأنه معلوم وإن ما قبله دال عليه.
** (قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة عشرة .. أي قل لهم يا محمد نعم تبعثون جميعا وأنتم صاغرون ذليلون ـ أذلاء ـ لأن صيغة ـ فعيل ـ تجمع على ـ فعلاء ـ إذا كان فيها حرف مكرر فذليل فيها حرف اللام مكرر. يقال : دخر ـ يدخر ـ دخورا : أي ذل وهان. و «نعم» مثل «أجل» وزنا ومعنى أي حرف جواب لا محل له ومثله أيضا الحرف «جير» بفتح الجيم وسكون الياء وكسر الراء قال الأخفش : إن «أجل» أحسن من «نعم» في التصديق و «نعم» أحسن منه في الاستفهام. ويأتي «أجل» اسما ويطلق على عمر الإنسان وعلى الموت الذي ينتهي إليه الإنسان .. ويطلق أيضا على الغاية والأمد. قال تعالى في سورة «الطلاق» : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) قال الشاعر :
كل حي مستكمل مدة العم |
|
ر ومود إذا انتهى أجله |
و «مود» : اسم فاعل بمعنى : هالك. فعله : أودى ـ يودي ـ إيداء : أي هلك وأودى به الموت : أي ذهب وأجل الشيء : هو مدته ووقته الذي يحل فيه وهو مصدر الفعل «أجل» من باب «تعب» ويجمع على آجال .. أما «الآجل» على وزن ـ فاعل ـ فهو خلاف «العاجل» و «الآجلة» ضد «العاجلة» أي المسرع والمسرعة.