وروي : رأى ما لم يره. حكي عن الخليل أنك إذا قلت : أرني ثوبك ـ بكسر الراء ـ فالمعنى بصّرنيه وإذا قلته بالسكون فهو استعطاء.. معناه : أعطني ثوبك. وأصل المثل «عش رجبا تر عجبا» هو كان للحرث بن عباد الثعلبي امرأة سليطة فطلقها فأرادت أن تتزوج برجل آخر وأنّ هذا الرجل لقي الحرث يوما فأعلم الحرث بمنزلته عند المرأة فقال له الحرث : عش رجبا تر عجبا. وقد شبّه مدة تربصها في بيتها بشهر رجب الذي لا يكون فيه حرب.. فإذا انقضى حدثت الأهوال. يريد بذلك أنه إذا عاشرها رأى من سوء عشرتها رجبا.
** (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) : هذا القول الكريم هو بداية الآية الكريمة التاسعة عشرة.. المعنى : هذان فريقان مختصمان متنازعان في ذات الله وصفاته وشأنه أي في دين الله وهما المؤمنون والكافرون وجاء الفعل «اختصموا» بصيغة الجمع على المعنى : فريقان فريق أو فوج المؤمنين.. وفريق الكفرة وجاءت الإشارة «هذان» مثناة على لفظ «خصمان» لا معناها. وبعد حذف المضاف «ذات» حل المضاف إليه للتعظيم لفظ الجلالة محلّه «ربّهم» وهذا القول الكريم «هذان خصمان اختصموا» تضمن معنيين أحدهما للّفظ والآخر للمعنى فاسم الإشارة «هذان» أراد به اللفظ وجملة «اختصموا» أراد بها المعنى. ومثل هذا كثير في كتاب الله نحو قوله تعالى في سورة «محمد» : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا) فأريد بالفعل «يستمع» لفظ «من» وبجملة «خرجوا» معناها لأن «من» مفرد لفظا مجموع معنى.. وقوله في سورة «الشعراء» : «وأنذر عشيرتك الأقربين» ي القريبة منك وهم بنو أبيك الأدنون ذكرت الصفة «الأقربين» على المعنى لا على اللفظ لأن «العشيرة» مؤنثة لفظا مذكرة معنى. أي رجال ومثله قوله سبحانه في سورة «ق» : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ) أنّث الفعل على المعنى لا على اللفظ أي وجاءت النفوس أو لأنه مضاف إلى مؤنث. وقال تعالى في سورة «الفرقان» : (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) ذكّر الفعل على تذكير المفرد «ملك» وليس على اللفظ. وأريد المعنى وليس اللفظ في قوله عزوجل في سورة «النساء» : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) لأن المراد : الروح ولهذا أنّثت «نفس» وفي سورة «الجن» : (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) الحرس : اسم مفرد لفظا والحراس معنى. ولذلك وصف بالشديد ولو ذهب إلى معناه لقيل : شدادا فالحرس الشديد : أي القوي : اسم مفرد في معنى : الحراس.
** سبب نزول الآية : قيل : إنّ قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) نزلت في اليهود إذ قالوا : نحن أحق بالله منكم أيها المسلمون فإنّا أقدم منكم كتابا وأسبق نبيا.
** (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة العشرين.. والجلود : جمع «جلد» بكسر الجيم وسكون اللام وهو غشاء الجسد ـ الجسم ـ ومثله «الجلدة» وتعني القطعة أو النوع من «الجلد» ومنه القول الشهير : هم من أبناء جلدتنا : أي من عشيرتنا بمعنى : من قبيلتنا. وجمع «العشيرة» العشائر.. وعشيرة الرجل : هم بنو أبيه والأدنون.. مأخوذة من «اعتشر القوم» أي تعاشروا.. بمعنى : تصاحبوا وتخالطوا. والاسم منه هو «العشرة» أي المخالطة والصحبة. و «العشيرة» لا واحد ـ مفرد ـ لها من لفظها.. أما المعشر بفتح الميم والشين فهو الجماعة من الناس وجمعه : معاشر.. وقوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث» نصبت «معاشر» على الاختصاص بفعل محذوف تقديره : أعني أو أخصّ. أمّا «الجسم» فهو «الجسد» وفي التهذيب قال : الجسم : هو مجمع البدن وأعضاؤه من الناس وغيرهم ممّا عظم من الخلق الجسيم ومنه جسم الشيء ـ بجسم جسامة على وزن ضخم ضخامة.