من التوقيف (١).
وقيل : إن هؤلاء المذكورين كانوا يتحرجون عن مواكلة الأصحاء حذرا من استقذارهم إياهم وخوفا من تأذيهم بأفعالهم فنزلت.
وقيل : إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر ، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به القدرة الكاملة على المشي على وجه يتعذر الإتيان به مع العرج ، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه.
وقيل : المراد بهذا الحرج المرفوع عن هؤلاء هو الحرج في الغزو : أي لا حرج على هؤلاء في تأخرهم عن الغزو ، وقيل : كان الرجل إذا أدخل أحدا من هؤلاء الزمناء إلى بيته ، فلم يجد فيه شيئا يطعمهم إياه ، ذهب بهم إلى بيوت قرابته فيتحرج الزمناء من ذلك فنزلت الآية.
(وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) : أي ولا حرج عليكم وعلى من يماثلكم من المؤمنين.
(أَنْ تَأْكُلُوا) : أنتم ومن معكم.
والحاصل أن رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض إن كان باعتبار مواكلة الأصحاء أو دخول بيوتهم فيكون (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) متصلا بما قبله ، وإن كان رفع الحرج عن أولئك باعتبار التكاليف التي يشترط فيها وجود البصر وعدم العرج وعدم المرض فقوله : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) ابتداء كلام غير متصل بما قبله.
ومعنى : (مِنْ بُيُوتِكُمْ) : البيوت التي فيها متاعهم وأهلهم ، فتدخل بيوت الأولاد ، كذا قال المفسرون. لأنها داخلة في بيوتهم لكون بيت ابن الرجل بيته ، ولذا لم يذكر سبحانه بيوت الأولاد وذكر غيرها فقال :
(أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ) : قال النحاس : وعارض بعضهم هذا فقال : هذا تحكم على كتاب الله سبحانه!! بل الأولى ، في الظاهر ، أن يكون الابن مخالفا لهؤلاء (٢).
__________________
(١) انظر : الطبري (١٨ / ١٦٩) ، والفراء (٢ / ٢٩١) ، ومعاني النحاس (٤ / ٥٥٨) ، وابن كثير (٦ / ٩٣) ، والقرطبي (١٢ / ٣١٢) ، والبحر المحيط (٦ / ٤٧٤) ، والألوسي (١٨ / ١٢٨) ، والدر المنثور (٥ / ٥٨).
(٢) انظر : معاني النحاس (٤ / ٥٥٨ ، ٥٥٩).