وقال زيد بن أسلم : إن الخطاب للولاة بأن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حظهم ، كما في قوله سبحانه : (وَفِي الرِّقابِ) [البقرة : ١٧٧].
وللمكاتب أحكام معروفة إذا وفى ببعض مال الكتابة.
ثم إنه سبحانه لما أرشد الموالي إلى نكاح الصالحين من المماليك ، نهى المسلمين عما كان يفعله أهل الجاهلية من إكراه إمائهم على الزنا فقال :
(وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) : والمراد بالفتيات هنا الإماء ، وإن كان الفتى والفتاة قد يطلقان على الأحرار في مواضع أخر.
والبغاء : الزنا مصدر بغت المرأة تبغا بغاء إذا زنت. وهذا مختص بزنا النساء فلا يقال للرجل إذا زنا : إنه بغى.
وشرط الله سبحانه هذا النهي بقوله : (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) : لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادتهن للتحصن ، فإن من لم ترد التحصن لا يصح أن يقال لها : مكروهة على الزنا.
والمراد بالتحصن هنا : التعفف والتزوج.
وقيل : إن هذا القيد راجع إلى الأيامى ، وفي الكلام تقديم وتأخير.
وقيل : هذا الشرط ملغى.
وقيل : هذا الشرط باعتبار ما كانوا عليه ، فإنهم كانوا يكرهونهن وهن يردن التعفف. وليس تخصيص النهي بصورة إرادتهن التعفف.
وقيل : إن هذا الشرط خرج مخرج الغالب ، لأن الغالب أن الإكراه لا يكون إلا عند إرادة التحصن ، فلا يلزم منه جواز الإكراه عند عدم إرادة التحصن. وهذا الوجه أقوى هذه الوجوه ، فإن الأمة قد تكون غير مريدة للحلال ولا للحرام ، كما فيمن لا رغبة لها في النكاح والصغيرة ، فتوصف بأنها مكرهة على الزنا مع عدم إرادتها للتحصن ، فلا يتم ما قيل من أنه لا يتصور الإكراه إلا عند إرادة التحصن ، إلا أن يقال : إن المراد بالتحصن هنا مجرد التعفف ، وأنه لا يصدق على من كانت تريد الزواج أنها مريدة للتحصن وهو بعيد! فقد قال الحبر ابن عباس : إن المراد بالتحصن التعفف والتزوج ، وتابعه على ذلك غيره (١).
__________________
(١) انظر أقوال أهل التفسير في : القرطبي (١٢ / ٢٥٥).