وقد ثبت في الصحيح عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن من قذف مملوكة بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال».
ثم ذكر سبحانه شرطا لإقامة الحد على من قذف المحصنات ، فقال :
(ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) : يشهدون عليهن بوقوع الزنا منهن.
ولفظ (ثُمَ) يدل على أنه يجوز أن تكون شهادة الشهود في غير مجلس القذف ، وبه قال الجمهور ؛ وخالف في ذلك مالك.
وظاهر الآية أنه يجوز أن يكون الشهود مجتمعين ومفترقين ؛ وخالف في ذلك الحسن ومالك ، [وإذا] (١) لم يكمل الشهود أربعة وأبوا قذفه يحدون حد القذف.
وقال الحسن والشعبي : لا حد على الشهود ولا على المشهود عليه ، وبه قال أحمد وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن. ويرد ذلك ما وقع في خلافة عمر رضي الله عنه من جلده للثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بالزنا ؛ ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة.
(فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) : الجلد : الضرب كما تقدم ، والمجالدة : المضاربة في الجلود أو بالجلود ؛ ثم استعير للضرب بالعصا والسيف وغيرهما.
(وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) : أي فأجمعوا لهم بين الأمرين الجلد وترك قبول الشهادة ، لأنهم قد صاروا بالقذف غير عدول بل فسقة كما حكم الله به عليهم بقوله :
(وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤)) هذه جملة مستأنفة مقررة لما قبلها (٢).
__________________
(١) حرف ما بين [] في المطبوع إلى (ما إذا) والصواب ما أثبت من فتح القدير (٤ / ٨).
(٢) اختلف في ردّ شهادة القاذف ، فالجمهور على قبول شهادته إذا تاب ، وقال الحنفية : لا تقبل شهادته ولو تاب وصار أصلح الصالحين ، لقوله سبحانه : (أَبَداً) فإنها تفيد الدّوام والاستمرار.
وانظر : (القرطبي ١٢ / ١٧٩).
والقول الثاني : أن يكون الاستثناء من قوله تعالى : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) أي إلا من تاب ، فإنه تقبل شهادته.
وهذا قول مسروق وعطاء ومجاهد ، وطاووس.
ويروى عن عمر بن الخطاب أنه قال لأبي بكرة : إن تبت قبلت شهادتك ، وهذا قول أهل المدينة.
والقول الثالث : يروى عن الشعبي أنه قال : الاستثناء من الأحكام الثلاثة.
فإذا تاب وظهرت توبته لم يحدّ ، وقبلت شهادته ، وزال عنه التفسيق ، لأنه قد صار ممّن يرض من الشهداء ، وقد قال عزوجل : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢)