منها ، وهذا العموم مخصوص بما ثبت في الأحاديث الصحيحة من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه» (١) ، حتى بالغ في ذلك فقال : «والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها ، إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني» ، وهذه الألفاظ ثابتة في الصحيح وغيره.
ويخص أيضا من هذا العموم يمين اللغو لقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) [البقرة : ٢٢٥] ويمكن أن يكون التقييد بالتوكيد هاهنا لإخراج أيمان اللغو ، وقد تقدم بسط الكلام على الإيمان في البقرة.
وقيل : توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشيء الواحد مرارا.
وحكى القرطبي (٢) عن ابن عمر : أنّ التوكيد هو أن يحلف مرتين فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه.
قال أبو عبيدة : كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل.
وقيل : الدخل ما أدخل في الشيء على فساده.
وقال الزجاج : غشا.
[الآية الثالثة]
(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨)).
(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) : الفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح.
وقيل : هذه الآية متصلة بقوله : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) ، والتقدير فإذا أخذت في قراءته (فَاسْتَعِذْ).
قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة : معناه إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ ؛ وليس معناه استعذ بعد أن تقرأ القرآن. ومثله : إذا أكلت فقل : بسم الله.
قال الواحدي : وهذا إجماع الفقهاء أن الاستعاذة قبل القراءة إلا ما روي عن أبي هريرة وابن سيرين وداود ومالك وحمزة من القراء فإنهم قالوا : الاستعاذة بعد القراءة ،
__________________
(١) حديث صحيح : رواه البخاري (١١ / ٥١٦ ، ٥١٧) ، ومسلم (١١ / ١١٤ ، ١١٦) عن أبي هريرة وعبد الرحمن بن سمرة مرفوعا بنحوه.
(٢) انظره في «تفسيره» (١٠ / ١٧٠).