وقال مجاهد وقتادة : بل هي ناسخة لقوله : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ، وأنه لا يجوز في الأسارى من المشركين إلا القتل.
وقال ابن زيد : الآيتان محكمتان.
قال القرطبي : وهو الصحيح ، لأن المنّ والقتل والفداء لم تزل من حكم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيهم من أول يوم حاربهم وهو يوم بدر (١).
(فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) : أي تابوا عن الشرك الذي هو سبب القتل ، وحققوا التوبة بفعل ما هو أعظم أركان الإسلام ، وهو إقامة الصلاة ، وهذا الركن اكتفى به عن ذكر ما يتعلق بالأبدان من العبادات ، لكونه رأسها. واكتفى بالركن الآخر المالي وهو إيتاء الزكاة عن كل ما يتعلق بالأموال والعبادات ، لأنها أعظمها.
(فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) : أي اتركوهم وشأنهم ، فلا تأسروهم ، ولا تحصروهم ، ولا تقتلوهم.
[الآية السادسة]
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦)).
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) : يقال : استجرت فلانا ، أي طلبت أن يكون جارا لي ، أي محاميا ومحافظا لي من أن يظلمني ظالم ، أو يتعرض لي معترض.
والمعنى : وإن استجارك أحد من المشركين الذين أمرت بقتالهم ، (فَأَجِرْهُ) : أي كن جارا له مؤمنا محاميا.
(حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) : منك ويتدبره حق تدبيره ، ويقف على حقيقة ما تدعو إليه.
__________________
(١) قال القاضي ابن العربي : «ومن الغريب ما روي عن الحسن أنه قال إن قوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) منسوخ بقوله تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) [محمد : ٤] وقال : لا يحل قتل أسير صبرا ، ومن شروط النسخ معرفة التاريخ ، ومن له بأن آية سورة محمد نزلت بعد براءة ، وقد ثبت أن براءة من آخر ما نزل ، ومع الاحتمال يسقط المقال ، وأغرب منه ما روى بعضهم عن ابن حبيب أنها منسوخة بقوله (فَإِنْ تابُوا) وهذا فاسد وتعجبنا لخفاء هذا عليه مع علمه رحمهالله (الناسخ والمنسوخ ٢ / ٢٤٦).