وكذا قال الشوكاني في «فتح القدير» (١) : إن في هذه الآية ـ باعتبار عموم لفظها ، الذي هو المعتبر ، دون خصوص السبب ـ دليلا على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله ، بما يفيد النقص والاستهزاء للأدلة الشرعية ، كما يقع كثيرا من أسراء التقليد ، الذين استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة ، ولم يبق في أيديهم سوى : قال إمام مذهبنا كذا! وقال فلان من أتباعه بكذا! وإذا سمعوا من يستدل على تلك المسألة بآية قرآنية ، أو بحديث نبوي ، سخروا منه ، ولم يرفعوا إلى ما قاله رأسا ، ولا بالوا به أي مبالاة ، وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع ، وخطب شنيع ، وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع! بل بالغوا في ذلك ، حتى جعلوا رأيه الفائل (٢) واجتهاده الذي هو عن منهج الحق مائل ، مقدّما على الله تعالى ، وعلى كتابه وعلى رسوله ، فإنّا لله وإنا إليه راجعون ، مما صنعت هذه المذاهب بأهلها ، والذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم برآء من فعلهم ؛ فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم ، بالنهي عن تقليدهم كما أوضحنا ذلك في رسالتنا المسماة ب «القول المفيد في حكم التقليد» ، وفي مؤلفنا المسمى ب «أدب الطلب ومنتهى الأرب» ، اللهم انفعنا بما علمتنا ، واجعلنا من [المتقيدين] (٣) بالكتاب والسنة ، وباعد بيننا وبين آراء الرجال المبنية على شفا جرف هار ، يا مجيب السائلين. انتهى.
(إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) تعليل للنهي ، أي إنكم إذا فعلتم ذلك ، ولم تنتهوا ، فأنتم مثلهم في الكفر ، واستتباع العذاب ، وقيل : هذه المماثلة ليست في جميع الصفات ، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر كما في قول القائل :
وكل قرين بالمقارن يقتدي
وهذه الآية محكمة عند جميع أهل العلم ، إلا ما يروى عن الكلبي فإنه قال : هي منسوخة بقوله تعالى : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، وهو مردود (٤) ، فإن من التقوى اجتناب مجالس هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله ، ويستهزؤون بها ، وفي الأنعام نحوها (٥).
__________________
(١) انظر : فتح القدير (١ / ٥٢٦).
(٢) أي الضعيف. [الصحاح : فأل].
(٣) في المطبوعة (المقتدين) والمثبت من فتح القدير (١ / ٥٢٦).
(٤) قال ابن أبي حاتم في «الجرح» (٧ / ٢٧١) : «تفسير الكلبي باطل».
(٥) آية رقم (٦٨).