قال القرطبي : والأول أصح ـ إن شاء الله تعالى ـ للحديث الصحيح في ذلك : «إن بالمدينة رجالا ، ما قطعتم واديا ، ولا سرتم مسيرا ، إلا كانوا معكم ، أولئك قوم حبسهم العذر» (١).
قال وفي هذا المعنى ما ورد في الخبر : «إذا مرض العبد ، قال الله تعالى : اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة ، إلى أن يبرأ أو أقبضه إليّ» (٢).
(وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) : هذا بيان لما بين الفريقين من التفاضل المفهوم من ذكر عدم الاستواء إجمالا ، والمراد هنا غير أولي الضرر حملا للمطلق على المقيد ، وقال هنا درجة ، وقال فيما بعد درجات ، فقال قوم : التفضيل بالدرجة ثم الدرجات إنما هو مبالغة وبيان وتأكيد.
وقال آخرون : فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر بدرجة واحدة ، وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير أولي الضرر بدرجات ، قاله ابن جريج والسدي وغيرهما (٣).
وقيل : إن معنى درجة علوّ ، أي أعلى ذكرهم ، ورفعهم بالثناء والمدح.
ودرجة : منتصبة على التمييز أو المصدرية ، لوقوعها موقع المرة من التفضيل : أي فضل الله تفضيلة ، أو على نزع الخافض ، أو على الحالية من المجاهدين ، أي ذوي درجة.
(وَكُلًّا) : مفعول أول لقوله : (وَعَدَ) ، قدّم عليه لإفادة القصر ، أي كل واحد من المجاهدين والقاعدين.
(وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) أي المثوبة ، وهي الجنة ، قاله قتادة (٤).
__________________
(١) حديث صحيح : رواه البخاري (٦ / ٤٦ ، ٤٧) ، (٨ / ١٢٦) ، ومسلم (١٣ / ٥٦ ، ٥٧) ، عن أنس وجابر مرفوعا بنحوه.
(٢) حديث صحيح : رواه البخاري (٦ / ١٣٦) ، وابن أبي شيبة في «المصنف» (٣ / ١١٩) ، عن أبي موسى وعطاء بن يسار مرفوعا.
قلت : هذا حديث روي بألفاظ متقاربة عن عدة من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وانظر : الإرواء (٥٦٠).
(٣) انظر : الطبري (٥ / ١٤٤) ، وابن قتيبة (ص ١٣٤).
(٤) روى هذا الخبر الطبري في «تفسيره» (٢٥٣ ـ ١) بإسناد حسن.