ورجل عرف الحق وجار في الحكم ، فهو في النار ...» (١). أخرجه ابن ماجة وأبو داود والنسائي والترمذي والحاكم وصححه. وقد جمع ابن حجر طرقه في جزء مفرد.
ووجه الدلالة أنه لا يعرف الحق إلا من كان مجتهدا ، وأما المقلد فهو يحكم بما قال إمامه ولا يدري أحق هو أم باطل ، فهو القاضي الذي قضى للناس على جهل وهو أحد قاضيي النار.
ومن الأدلة على اشتراط الاجتهاد قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (٤٤)) ، و (الظَّالِمُونَ) ، و (الْفاسِقُونَ) ، ولا يحكم بما أنزل الله إلا من عرف التنزيل والتأويل.
ومما يدل على ذلك حديث معاذ لما بعثه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليمن فقال له : «بم تقضي»؟ قال : بكتاب لله. قال : «فإن لم تجد»؟ قال : فبسنّة رسول الله. قال : «فإن لم تجد»؟ قال فبرأيي ، وهو حديث مشهور (٢). وقد بينت طرقه ومن خرجه في بحث مستقل.
ومعلوم أن المقلد لا يعرف كتابا ولا سنة ولا رأي له ، بل لا يدري بأن الحكم موجود في الكتاب والسنة فيقضي به أو ليس بموجود فيجتهد برأيه.
فإذا ادعى المقلد أنه يحكم برأيه فهو يعلم أنه يكذب على نفسه لاعترافه بأنه لا يعرف كتابا ولا سنة ، فإذا زعم أنه حكم برأيه فقد أقر على نفسه بأنه حكم بالطاغوت. انتهى كلامه.
ويزيد ذلك قوة وشرحا ما قاله السيد العلامة بدر الله المنير محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير رضي الله عنه في «سبل السلام شرح بلوغ المرام» (٣) في شرح حديث
__________________
(١) [صحيح] أخرجه الترمذي في الجامع [٣ / ٦١٣] ح [١٣٢٢] وأبو داود في السنن [٣ / ٢٩٧] ح [٣٥٧٣] وابن ماجه في السنن ح [٢٣١٥] والبيهقي في السنن الكبرى [١٠ / ١١٦] والحاكم في المستدرك [٤ / ٩٠].
(٢) [ضعيف جدا] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف [٤ / ٥٤٣] ح [٢٢٩٨٨] وعبد بن حميد في المنتخب ح [١٢٤] وأحمد في المسند [٥ / ٢٣٠ و ٢٣٦ ، ٢٤٢] والترمذي في الجامع [٣ / ٦١٦] ح [١٢٢٧] وأبو داود في السنن [١٣ / ٣٠٢] ح [٣٥٩٢] والدارمي في السنن [١ / ٦٠] وأبو داود الطيالسي في مسنده ح [٥٥٩] والبيهقي في السنن الكبرى [١٠ / ١١٤] والخطيب في الفقه والمتفقه [١ / ١٨٨ ـ ١٨٩] وابن عبد البر في جامع بيان العلم [٢ / ٨٤٤ ـ ٨٤٥] ح [١٥٩٢ ، ١٥٩٣] وابن حزم في الأحكام [٦ / ٣٥].
(٣) سبل السلام [٤ / ٢٢٧ ـ ٢٢٩].