وقد اختلف أهل العلم في المقدار الذي عليه يصدق مسمى الجار ويثبت لصاحبه الحق : فروي عن الأوزاعي والحسن أنه إلى حد أربعين دارا من كل ناحية ، وروي عن الزهري نحوه.
وقيل : من سمع إقامة الصلاة ، وقيل : إذا جمعتهما محلة. وقيل : من سمع النداء. والأولى أن يرجع في معنى الجار إلى الشرع ، فإن وجد فيه ما يقتضي بيانه وأنه يكون جارا إلى حد كذا من الدور أو من مسافة الأرض كان العمل عليه متعينا ، وإن لم يوجد رجع إلى معناه لغة وعرفا.
ولم يأت في الشرع ما يفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره مقدار كذا ، ولا ورد في لغة العرب أيضا ما يفيد ذلك ، بل المراد بالجار في اللغة : المجاور ويطلق على معان ، قال في «القاموس» : الجار المجاور ، والذي أجرته من أن يظلم ، والمجير والمستجير ، الشريك في التجارة ، وزوج المرأة ، وهي جارته ، وفرج المرأة ، وما قرب من المنازل ، والاست كالجارة ، والمقاسم ، والحليف ، والناصر. انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره (١) : وروي أن رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : إني نزلت محلّة قوم وإن أقربهم إليّ جوارا أشدهم لي أذى! فبعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا بكر وعمر وعليّا رضي الله عنهم يصيحون على أبواب المساجد : «ألا إن أربعين دارا جار ، ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» (٢). انتهى.
قال الشوكاني : ولو ثبت هذا لكان مغنيا عن غيره ، ولكنه رواه ـ كما ترى ـ من غير عزوه إلى أحد كتب الحديث المعروفة ؛ وهو وإن كان إماما في علم الرواية فلا تقوم الحجة بما يرويه بغير سند مذكور ولا نقل عن كتاب مشهور ، ولا سيما وهو يذكر الواهيات كثيرا كما يفعل في «تذكرته» انتهى.
أقول : هذا الحديث بلفظه أخرجه الطبراني كما ذكر في «الترغيب والترهيب» وروى السيوطي في جامعه الصغير : «الجوار أربعون دارا». أخرجه البيهقي عن عائشة.
__________________
(١) تفسير القرطبي [٥ / ١٨٥].
(٢) [ضعيف جدا] أخرجه الطبراني في الكبير [١٩ / ٧٣] ح [١٤٣] وأبو يعلى في مسنده كما في نصب الراية [٤ / ٤١٤] رواه ابن حبان في الضعفاء [٢ / ١٥٠].
وأخرجه أبو داود في المراسيل ح [٣٥٠].