بالتشجيع وسكون النفس في كل حالة ترضي الله ورسوله فلم يخافوا عاقبة القتال لما ندبوا إليه وإن كانوا في كثرة الكفار كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود (وَأَثابَهُمْ) أي : أعطاهم جزاء لهم على ما وهبوه من الطاعة (فَتْحاً قَرِيباً) هو فتح خيبر عقب انصرافهم. وعن الحسن : فتح هجر.
ونبه تعالى بصيغة منتهى الجموع في قوله تعالى : (وَمَغانِمَ) على أنها عظيمة ثم صرّح بذلك بقوله تعالى (كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) وهي مغانم خيبر وكانت أرضا ذات عقار وأموال ، فقسمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينهم (وَكانَ اللهُ) أي : الذي لا كفء له (عَزِيزاً) يغلب ولا يغلب (حَكِيماً) أي : يقضي ما يريد فلا ينقض فحكم لكم بالغنائم ولأعدائكم بالهلاك على أيديكم ليثيبكم عليه.
(وَعَدَكُمُ اللهُ) أي : الملك الأعظم (مَغانِمَ) وحقق معناها بقوله تعالى : (كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) أي : فيما يأتي من بلدان شتى لا تدخل تحت حصر. وليس المغانم كل الثواب بل الجنة والنظر إلى وجهه الكريم قدّامهم. وإنما هي كعاجلة عجل بها ولهذا قال تعالى : (فَعَجَّلَ لَكُمْ) أي : من الغنائم (هذِهِ) أي : مغانم خيبر (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) «وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما قصد خيبر وحاصر أهلها همت قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة فكف الله تعالى أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم فنكصوا» وقيل : أيدي أهل مكة بالصلح. وقوله تعالى : (وَلِتَكُونَ) أي : هذه المعجلة عطف على مقدّر أي لتشكروه ولتكون (آيَةً) أي : علامة في غاية الوضوح (لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : أنهم من الله تعالى بمكان أو صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم في وعدهم فتح خيبر في حين رجوعه من الحديبية أو وعدهم الغنم أو عنوانا لفتح مكة.
(وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً) أي : طريقا (مُسْتَقِيماً) أي : يثبتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقينا بصلح الحديبية وفتح خيبر. «وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرّم ثم خرج في سنة سبع إلى خيبر» روى أنس بن مالك «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم قال فخرجنا إلى خيبر فانتهينا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبنا وركبت خلف أبي طلحة وإن قدمي لتمس قدم النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا : والله محمد والخميس أي الجيش فلما رآهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» (١) وروى إياس بن سلمة قال : حدّثني أبي قال : «خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم ثم قال (٢) :
تالله لو لا الله ما اهتدينا |
|
ولا تصدّقنا ولا صلينا |
ونحن عن فضلك ما استغنينا |
|
فثبت الأقدام إن لاقينا |
وأنزلن سكينة علينا |
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من هذا ، قال : أنا عامر فقال : غفر لك ربك وما استغفر رسول الله
__________________
(١) أخرجه البخاري حديث ٦١٠ ، ٢٩٤٤ ، ومسلم في الجهاد حديث ١٢٠ ، ١٢١ ، والترمذي في السير حديث ١٥٥٠ ، والنسائي في المواقيت حديث ٥٤٧ ، ومالك في الجهاد حديث ٤٨ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٠٢ ، ١١١ ، ١٦٤ ، ١٨٦ ، ٢٠٦ ، ٢٤٦ ، ٢٦٣.
(٢) الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ١٠٨ ، ولعامر بن الأكوع في المقاصد النحوية ٤ / ٤٥١.