وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣))
(قُلْ) أي : يا أشرف الرسل (لِلْمُخَلَّفِينَ) وزاد في ذمّهم بنسبتهم إلى الجلافة بقوله تعالى (مِنَ الْأَعْرابِ) أي : أهل غلظ الأكباد (سَتُدْعَوْنَ) بوعد لا خلف فيه (إِلى قَوْمٍ أُولِي) أي : أصحاب (بَأْسٍ شَدِيدٍ) أي : شدّة في الحرب وشجاعة قال ابن عباس ومجاهد : هم أهل فارس. وقال كعب : الروم. وقال الحسن : فارس والروم. وقال سعيد ابن جبير : هوازن وثقيف. وقال قتادة : هوازن وغطفان قوم حنين. وقال الزهري ومقاتل وجماعة : هم بنو حنيفة أصحاب اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب. وقال رافع بن خديج : كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم. وقال أبو هريرة : لم يأت تأويل هذه الآية بعد قال ابن الخازن : وأقوى هذه الأقوال قول من قال إنهم هوازن وثقيف ، لأنّ الداعي هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبعده قول من قال أنهم بنو حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب وقوله تعالى (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) فيه إشارة إلى وقوع أحد الأمرين إما المقاتلة منكم وإمّا الإسلام منهم فإن لم يسلموا كان القتال لا غير وإن أسلموا لم يكن قتال لأنّ الغرض ليس إلا إعلاء كلمة الله تعالى (فَإِنْ تُطِيعُوا) أي : توقعوا الطاعة للداعي إلى ذلك (يُؤْتِكُمُ اللهُ) أي : الذي له الإحاطة (أَجْراً حَسَناً) دنيا وهو الغنيمة وأخرى وهي الجنة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) أي تعرضوا عن الجهاد (كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي عام الحديبية (يُعَذِّبْكُمْ) أي يخالطكم بعقوبة تزيل العذوبة في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما (عَذاباً أَلِيماً) لأجل تكرّر ذلك منكم.
فلما أنزلت هذه الآية ، قال أهل الزمانة كيف بنا يا رسول الله فأنزل الله عزوجل : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى) أي : في تخلفه عن الدعاء إلى الخروج مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم أو مع غيره من أئمة الهدى (حَرَجٌ) أي : ميل بثقل الإثم لأنه لا يمكنه الإقدام على العدوّ والطلب ولا يمكنه الاحتراز منه ولا الهرب (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ) وإن كان نقصه أدنى من نقص الأعمى (حَرَجٌ) وفي معنى الأعرج الزمن المقعد والأقطع (وَلا عَلَى الْمَرِيضِ) أي : بأي مرض كان يمنعه (حَرَجٌ) وفي معناه صاحب السعال الشديد والطحال الكبير والذين لا يقدرون على الكرّ والفرّ فهذه أعذار مانعة من الجهاد ظاهرة ، ومن وراء ذلك أعذار أخر دون ما ذكر كتمريض المريض الذي ليس له من يقوم مقامه عليه.
تنبيه : جعل تعالى كل جملة مستقلة تأكيدا لهذا الحكم وقدم الأعمى على الأعرج لأنّ عذر الأعمى مستمر لا يمكن الانتفاع به في حرس ولا غيره بخلاف الأعرج وقدم الأعرج على المريض لأنّ عذره أشد من عذر المريض لإمكان زوال المرض عن قرب.
(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ) أي : المحيط بجميع صفات الكمال المفيض من آثار صفاته على من يشاء ولو كان ضعيفا. المانع منها من يشاء وإن كان قويا (وَرَسُولَهُ) من المعذورين وغيرهم فيما ندبا إليه بأيّ طاعة كانت (يُدْخِلْهُ) أي : الله الملك الأعظم جزاء له (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي : من أيّ موضع أردت أجريت نهرا (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي يعرض عن الطاعة ويستمر على الكفر