فيه عدل كيف كان (وَكانَ اللهُ) أي : المحيط بصفات الكمال أزلا وأبدا لم يتجدّد له شيء لم يكن (غَفُوراً) أي : لذنوب المسيئين (رَحِيماً) أي : مكرما ما بعد الستر بما لا تسعه العقول وقدرته على الإنعام كقدرته على الانتقام.
(سَيَقُولُ) أي : بوعد لا خلف فيه (الْمُخَلَّفُونَ) أي : الذين تخلفوا عن الحديبية (إِذَا انْطَلَقْتُمْ) أي : سرتم أيها المؤمنون (إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) أي : مغانم خيبر. وذلك أنّ المؤمنين لما انصرفوا من الحديبية على صلح من غير قتال ولم يصيبوا من المغانم شيئا وعدهم الله تعالى فتح خيبر وجعل غنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضا عن غنائم أهل مكة حيث انصرفوا عنهم ولم يصيبوا منهم شيئا (ذَرُونا) أي : على أيّ حالة شئتم من الأحوال الدنيئة (نَتَّبِعْكُمْ) أي : إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها وفي هذا بيان كذب المخلفين عن الحديبية حيث قالوا شغلتنا أموالنا وأهلونا إذ لم يكن لهم هناك طمع في الغنيمة وهنا قالوا ذرونا نتبعكم حيث كان لهم طمع في الغنيمة (يُرِيدُونَ) أن بذهابهم معكم (أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) أي : يريدون أن يغيروا مواعيد الملك الأعظم لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة وهذا قول جمهور المفسرين.
وقال مقاتل : يعني أمر الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم حيث أمره أن لا يسير معه منهم أحد إلى خيبر. وقال ابن زيد : هو أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما تخلف القوم أطلعه الله تعالى على ظنهم وأظهر له نفاقهم وقال للنبيّ صلىاللهعليهوسلم (مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) [التوبة : ٨٣] وقرأ حمزة والكسائي : بكسر اللام بعد الكاف ولا ألف بعد اللام والباقون بفتح اللام وألف بعدها (قُلْ) يا أشرف الخلق لهؤلاء المبعدين إذا بلغك كلامهم أنت بنفسك فإنّ غيرك لا يقوم مقامك في هذا الأمر المهمّ قولا مؤكدا (لَنْ تَتَّبِعُونا) أي : وإن اجتهدتم في ذلك وساقه مساقة النفي وإن كان المراد به النهي مع كونه آكد ليكون علما من أعلام النبوّة وهو أزجر وأدل على استهانتهم (كَذلِكُمْ) أي مثل هذا القول البديع الشأن العالي الرتبة (قالَ اللهُ) أي : الذي لا يكون إلا ما يريد وليس هو كالملوك الذين لا قدرة لهم على الغفران لمن شاؤوا والعقاب لمن شاؤوا (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب ولما كانوا منافقين لا يعتقدون شيئا من هذه الأقوال بل يظنون أنها حيل على التوصل إلى المرادات الدنيوية سبب عن قوله لهم ذلك قوله تعالى تنبيها على جلافتهم وفساد ظنونهم (فَسَيَقُولُونَ) ليس الأمر كما ذكر مما ادعى أنه قول الله تعالى (قَبْلُ) إنما قلتم ذلك لأنكم (تَحْسُدُونَنا) فلا تريدون أن يصل إلينا من مال الغنائم شيء وقرأ هشام وحمزة والكسائي بإدغام اللام في التاء والباقون بالإظهار. (بَلْ كانُوا) أي : جبلة وطبعا (لا يَفْقَهُونَ) أي : لا يفهمون فهم الحاذق الماهر (إِلَّا قَلِيلاً) أي : في أمر دنياهم ومن ذلك إقرارهم باللسان لأجلها ، وأمّا أمور الآخرة فلا يفهمون منها شيئا.
(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧) لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ