والذراري فإنا لو تركناهم لضاعوا لأنه لم يكن لنا من يقوم بهم وأنت قد نهيت عن ضياع المال والتفريط في العيال ثم سببوا عن هذا القول المراد به السوء قولهم (فَاسْتَغْفِرْ) أي اطلب المغفرة (أَمْوالُنا) من الله تعالى إن كنا أخطأنا وقصرنا فكذبهم الله تعالى في اعتذارهم بقوله سبحانه وتعالى (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ) أي : في الشغل والاستغفار وأكد ما أفهمه ذكر اللسان من أنه قول ظاهري نفيا للكلام الحقيقي الذي هو النفسي بكل اعتبار بقوله تعالى : (ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) لأنهم لم يكن لهم شغل ولا كانت لهم نية في سؤال الاستغفار فإنهم لا يبالون استغفر لهم الرسول أم لا (قُلْ) يا أشرف الرسل لهؤلاء الأغبياء واعظا لهم مسببا عن مخادعتهم لمن لا تخفى عليه خافية إشارة إلى أنّ العاقل يقبح عليه أن يقدم على ما هو بحيث تخشى عواقبه (فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ) أي : أيها المخادعون (مِنَ اللهِ) أي : الملك الذي لا أمر لأحد معه لأنه لا كفء له (شَيْئاً) يمنعكم (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) أي : نوعا من أنواع الضرّ عظيما أو حقيرا فأهلك الأموال والأهلين وأنتم محتاطون في حفظها فلم ينفعها حضوركم وأهلككم أنتم. وقرأ حمزة والكسائي : بضم الضاد والباقون بفتحها (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) يحفظهما به في غيبتكم فلا يضرّهم بعدكم عنهم ويحفظكم في أنفسكم (بَلْ كانَ اللهُ) أي : المحيط أزلا وأبدا بكل شيء قدرة وعلما (بِما تَعْمَلُونَ) أي أيها الجهلة (خَبِيراً) يعلم بواطن أموركم هذه وغيرها كما يعلم ظواهرها.
(بَلْ ظَنَنْتُمْ) أي : فأنتم واقفون مع الظنون الظاهرة ليس لكم نفوذ إلى البواطن. وقرأ الكسائي : بإدغام اللام في الظاء والباقون بالإظهار وأشار إلى تأكد ظنهم على زعمهم بقوله تعالى (أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) أي : ظننتم أنّ العدوّ يستأصلهم ولا يرجعون لما في قلوبكم من عظمة المشركين وحقارة المؤمنين فحملكم ذلك على أن قلتم ما هم في قريش إلا أكلة رأس ، فإن قيل : ما الفرق بين حرفي الإضراب أجيب : بأنّ الإضراب الأول إضراب معناه ردّ أن يكون حكم الله أن لا يتبعوه وإثبات الحسد والثاني إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين أي وصفهم بما هو أعمّ منه وهو الجهل وقلة الفقه (وَزُيِّنَ ذلِكَ) أي : الأمر القبيح الذي هو خراب الدنيا (فِي قُلُوبِكُمْ) حتى قلتموه (وَظَنَنْتُمْ) أي : بذلك وغيره مما يترتب عليه من إظهار الكفر وما يتفرّع عنه (ظَنَّ السَّوْءِ) أي : الذي لم يدع شيئا مما يكره غاية الكراهة إلا أحاط به وقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) جمع بائر أي هالكين عند الله تعالى بهذا الظنّ وهذا بالنظر إلى الجمع من حيث هو جمع لا بالنسبة إلى كل فرد فإنه قد أخلص منهم بعد ذلك كثير وثبتوا ولم يرتدّوا.
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ) أي : منكم ومن غيركم (بِاللهِ) أي : الذي لا موجود على الحقيقة سواه (وَرَسُولِهِ) أي : الذي أرسله لإظهار دينه (فَإِنَّا) على ما لنا من العظمة (أَعْتَدْنا) أي : له هكذا كان الأصل ولكنه قال تعالى معلّلا للحكم بالوصف (لِلْكافِرِينَ) إيذانا بأنه لم يجمع الإيمان بهما فهو كافر وأعدّ له (سَعِيراً) أي : نارا شديدة.
(وَلِلَّهِ) أي : الملك الأعظم وحده (مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : من الجنود وغيرها يدبر ذلك كله كيف يشاء (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) أي : لا اعتراض لأحد عليه لأنه لا يجب عليه شيء ولا يكافئه أحد وليس هو كالملوك الذين لا يتمكنون من مثل ذلك لكثرة الأكفاء المعارضين لهم في الجملة وعلم من هذا أنّ منهم من يرتدّ فيعذبه ومنهم من يثبت على الإسلام فيغفر له لأنه لا يعذب بغير ذنب وإن كان له أن يفعل ذلك لأنه لا يسأل عما يفعل وملكه تامّ فتصرفه