إلى صور أخرى بالمسخ ومن قدر على ذلك قدر على الإعادة وقال الطبري : معنى الآية نحن قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم ، وما نحن بمسبوقين في آجالكم أي : لا يتقدّم متأخر ولا يتأخر متقدم ، وننشئكم فيما لا تعلمون من الصور وقال الحسن : أي نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم ، وقيل : المعنى : ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا فنجمل المؤمن ببياض وجهه ونقبح الكافر بسواد وجهه «فائدة» في ما مقطوعة في الرسم.
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) أي : الترابية لأبيكم آدم عليهالسلام ، واللحمية لأمكم حواء رضى الله عنها والنطفية لكم وكل منها تحويل من شيء إلى آخر غيره ، فما الذي شاهدتم قدرته على ذلك لا يقدر على تحويلكم بعد أن تصيروا ترابا إلى ما كنتم عليه أولا من الصور ولهذا سبب عما تقدم قوله تعالى : (فَلَوْ لا) أي : فهلا ولم لا (تَذَكَّرُونَ) أي تذكرا عظيما تكرهون أنفسكم عليه فتعلمون أن من قدر على النشأة الأولى قدر على الثانية فإنها أقل ضعفا لحصول المواد وتخصيص الأجزاء وسبق المثال وفيه دليل على صحة القياس ، وفي الخبر عجبا كل العجب للمكذب بالنشأة الآخرة وهو يرى النشأة الأولى ، وعجبا للمصدق بالنشأة الآخرة وهو يسعى لدار الغرور ؛ وقرأ ابن كثير وأبو عمرو النشأة بفتح الشين وبعدها ألف قبل الهمزة والباقون بسكونها ولا ألف بعدها ، فإذا وقف حمزة نقل حركة الهمزة إلى الشين وخفف ذال تذكرون حمزة والكسائي وحفص ، وشدّدها الباقون.
ثم ذكر لهم حجة أخرى بقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ) أي : أخبروني هل رأيتم بالبصر والبصيرة ما نبهناكم عليه فيما تقدم فتسبب عن تنبيهكم لذلك أنكم رأيتم (ما تَحْرُثُونَ) أي : تجددون حرثه على الاستمرار من أراضيكم فتطرحون فيه البذر (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ) أي : تنشئونه بعد طرحكم وتجعلونه زرعا فيكون فيه السنبل والحب (أَمْ نَحْنُ) خاصة (الزَّارِعُونَ) أي : المنبتون له والحافظون ؛ روى أنه عليه الصلاة والسلام قال : «لا يقولنّ أحدكم زرعت وليقل حرثت» (١). قال أبو هريرة أرأيتم إلى قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ) الآية.
ولما كان الجواب قطعا أنت الفعال لذلك وحدك قال تعالى موضحا لأنه ما زرعه غيره (لَوْ نَشاءُ) أي : لو عاملناكم بصفة العظمة (لَجَعَلْناهُ) أي : بتلك العظمة (حُطاماً) أي : مكسورا مفتتا لا حب فيه قبل النبات حتى لا يقبل الخروج أو بعده ببرد مفرط أو حر مهلك أو غير ذلك فلا ينتفع به (فَظَلْتُمْ) أي فأقمتم بسبب ذلك نهارا في وقت الأشغال العظيمة وتركتم ما يهمكم (تَفَكَّهُونَ) حذفت منه إحدى التائين في الأصل تخفيفا أي تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم وقيل : تندمون على ما سلف منكم من المعاصي التي أوجبت تلك العقوبة قال الزمخشري : ومنه الحديث : «مثل العالم كمثل الحمة يأتيها البعداء ويتركها القرباء فبينما هم إذ غار ماؤها فانتفع بها قوم وبقي قوم يتفكهون» (٢). أي : يتندمون. وقال الكسائي : التفكة التلهف على ما فات من الأضداد ، تقول
__________________
(١) أخرجه ابن حجر في فتح الباري ٥ / ٤ ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ٨ / ٢٦٧ ، وابن حبان في صحيحه ٥٧٢٣ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٦ / ١٣٨.
(٢) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.