العرب : تفكهت أي تنعمت وتفكهت أي حزنت وتقولون : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) بحذف القول ومعنى الغرم ذهاب المال بغير عوض من الغرام وهو الهلاك ومن مجيء الغرام بمعنى الهلاك قول القائل (١) :
أن يعذب يكن غراما وإن يع |
|
ط جزيلا فإنه لا يبالي |
وقال ابن عباس : الغرام العذاب ، أي : عذبوا بذهاب أموالهم ، والمعنى : أن غرمنا الحب الذي بذرناه فذهب بغير عوض ومن الغرام بمعنى العذاب قول القائل (٢) :
وثقت بأنّ الحلم منك سجية |
|
وأنّ فؤادي مبتلى بك مغرم |
وقرأ شعبة : أئنا بهمزة مفتوحة بعدها همزة مكسورة على الاستفهام والباقون بهمزة واحدة مكسورة على الخبر (بَلْ نَحْنُ) أي : خاصة (مَحْرُومُونَ) أي : ممنوعون رزقنا حرمنا من لا يرد قضاؤه فلاحظ لنا في الاكتساب فلو كان الزارع ممن له حظ لأفلح زرعه ثم ذكر تعالى لهم حجة أخرى بقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ) أي : أخبروني هل رأيتم بالبصر والبصيرة ما نبهنا عليه فيما مضى من المطعم وغيره فرأيتم الماء (الَّذِي تَشْرَبُونَ) فتحيوا به أنفسكم وتسكنوا به عطشكم ، ذكرهم بنعمه التي أنعم بها عليهم بإنزال المطر الذي لا يقدر عليه أحد إلا الله عزوجل (أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) أي : السحاب وهو اسم جنس واحده مزنة قال القائل (٣) :
فلا مزنة ودقت ودقها |
|
ولا أرض أبقل إبقالها |
وعن ابن عباس والثوري : المزن السماء والسحاب ، وقال أبو زيد : المزنة : السحابة البيضاء أي خاصة وهي أعذب ماء والجمع مزن والمزنة المطرة (أَمْ نَحْنُ) أي : خاصة (الْمُنْزِلُونَ) أي : له بما لنا من العظمة (لَوْ نَشاءُ) أي : حال إنزاله وبعده قبل أن ينتفع به (جَعَلْناهُ) أي بما تقتضيه صفة العظمة (أُجاجاً) أي : ملحا مرا محرقا كأنه في الأحشاء لهيب النار المؤجج فلا يبرد عطشا ولا ينبت نبتا ينتفع به ، وقال ابن عادل : الأجاج المالح الشديد الملوحة (فَلَوْ لا) أي : فهلا ولم لا (تَشْكُرُونَ) أي : تجددون الشكر على سبيل الاستمرار باستعمال ما أفادكم ذلك من القوى في طاعة الله الذي أوجده لكم ومكنكم منه.
ثم ذكر تعالى لهم حجة أخرى بقوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ) أي : أخبروني هل رأيتم بالبصر
__________________
(١) البيت من الخفيف ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٥٩ ، ولسان العرب (غرم) ، ومقاييس اللغة ٤ / ٤١٩ ، وتاج العروس (غرم) ، وبلا نسبة في تهذيب اللغة ٨ / ١٣١ ، والمخصص ٤ / ٦٢ ، ١٢ / ٩٨.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٣) البيت من المتقارب ، وهو لعامر بن جوين في تخليص الشواهد ص ٤٨٣ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥ ، ٤٩ ، ٥٠ ، والدرر ٦ / ٢٦٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٨ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٣٩ ، ٤٦٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٣ ، والكتاب ٢ / ٤٦ ، ولسان العرب (أرض) ، (بقل) ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦٤ ، وتاج العروس (ودق) ، (بقل) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ١ / ٣٥٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٠٨ ، وجواهر الأدب ص ١١٣ ، والخصائص ٢ / ٤١١ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٤ ، والرد على النحاة ص ٩١ ، ورصف المباني ص ١٦٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٥٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٤٤ ، وشرح المفصل ٥ / ٩٤ ، ولسان العرب (خضب) ، والمحتسب ٢ / ١١٢ ، ومغني اللبيب ٢ / ٦٥٦ ، والمقرب ١ / ٣٠٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٧١.