واحتسابا لأنه من لازم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (رَبِ) أي : أيها المحسن إليّ (إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ) أي : فيما جئت به فليس الغرض من هذا إخبار الله بالتكذيب لعلمه بأنه عالم الغيب والشهادة ولكنه أراد لا أدعوك عليهم لما آذوني وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك ولأنهم كذبوك في وحيك ورسالتك.
(فَافْتَحْ) أي : احكم (بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) أي : حكما يكون لي فيه فرج وبه من المضيق مخرج فأهلك المبطلين (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ) أي : في الدين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) مما تعذب به الكافرين.
ثم لما كان في إهلاكهم وإنجائه من بديع الصنع ما يجل عن الوصف أظهره في مظهر العظمة بقوله تعالى : (فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ) أي : الذين اتبعوه في الدين على ضعفهم وقلتهم (فِي الْفُلْكِ) أي : السفينة وجمعه فلك قال الله تعالى : (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) [فاطر : ١٢] فالواحد بوزن قفل والجمع بوزن أسد ، وقال تعالى (الْمَشْحُونِ) أي : الموقور المملوء من الناس والطير والحيوان لأنّ سلامة المملوء جدا أغرب.
ولما كان إغراقهم كلهم من الغرائب عظمه بأداة البعد فقال تعالى : (ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ) أي : بعد إنجاء نوح ومن معه (الْباقِينَ) أي : من بقي على الأرض ولم يركب معه في السفينة على قوّتهم وكثرتهم.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : الأمر العظيم من الدعاء والإمهال ثم الإنجاء والإهلاك (لَآيَةً) أي : عظة لمن شاهد ذلك أو سمع به (وَما) أي : والحال أنه ما (كانَ أَكْثَرُهُمْ) أي : العالمين بذلك (مُؤْمِنِينَ) وقد كان ينبغي لهم إذ فاتهم الإيمان بمحض الدليل أن يبادروا بالإيمان حين رأوا أوائل العذاب.
(وَإِنَّ رَبَّكَ) المحسن إليك بإرسالك وتكثير أتباعك وتعظيم أشياعك (لَهُوَ الْعَزِيزُ) أي : القادر بعزته على كل من قسرهم على الطاعة وإهلاكهم في أوّل أوقات المعصية (الرَّحِيمُ) أي : الذي يخص من شاء من عباده بخالص وداده.
ولما فرغ من ذكر قصة نوح عليهالسلام شرع في قصة هود عليهالسلام وهي القصة الرابعة فقال تعالى : (كَذَّبَتْ عادٌ) أي : تلك القبيلة التي مكن الله تعالى لها في الأرض بعد قوم نوح (الْمُرْسَلِينَ) بالإعراض عن معجزة هود عليهالسلام ، ثم سلى محمدا صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى : (إِذْ) أي : حين (قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) أي : في النسب لا في الدين (هُودٌ) بصيغة العرض تأدبا معهم وتلطفا بهم (أَلا تَتَّقُونَ) أي : يكون منكم تقوى لربكم الذي خلقكم فتعبدونه ولا تشركون به ما لا يضرّكم ولا ينفعكم ، ثم علل ذلك بقوله : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ) أي : فهو الذي حملني على أن أقول لكم ذلك (أَمِينٌ) أي : لا أكتم عنكم شيئا مما أمرت به ولا أخالف شيئا منه.
(فَاتَّقُوا) أي : فتسبب عن ذلك أن أقول لكم اتقوا (اللهَ) أي : الذي هو أعظم من كل شيء (وَأَطِيعُونِ) أي : في كل ما آمركم به من طاعة الله وترك معاصيه ومخالفته ثم نفى عن نفسه التهمة في دعائه لهم بقوله : (وَما) أي : والحال أني ما (أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي : دعائي لكم (مِنْ أَجْرٍ) فتتهموني به وإنما أنا رسول داع (إِنْ) أي : ما (أَجْرِيَ) أي : ثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) فهو الذي يثيب العبد على عمله.