منه ، ولذلك قال في دعائه (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) فلو لا اعتقاده فيه أنه في الحال ليس بضالّ لما قال ذلك ، وقيل : إن الاستغفار للكفار لم يكن ممنوعا إذ ذاك.
(وَلا تُخْزِنِي) أي : تفضحني (يَوْمَ يُبْعَثُونَ) أي : العباد ، فإن قيل : كان قوله : (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) كافيا عن هذا وأيضا قال تعالى : (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) [النحل : ٢٧] فما كان نصيب الكفار فقط كيف يخافه المعصوم؟ أجيب : بأن حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فكذا درجات الأبرار خزي المقرّبين وخزي كل واحد بما يليق به.
ولما نبه عليهالسلام على أنّ المقصود هو الآخرة صرح بالتنزيه في الدنيا بقوله : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ) أي : أحدا (مالٌ) أي : يفتدى به أو يبذله لشافع أو ناصر وقاهر (وَلا بَنُونَ) ينتصر بهم أو يعتضد فكيف بغيرهم ، وفي استثناء قوله : (إِلَّا مَنْ) أوجه : أحدها : أنه منقطع وجرى عليه الجلال المحلي أي : لكن من (أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) فإنه ينفعه ذلك ، الثاني : أنه مفعول به لقوله تعالى : لا ينفع أي : لا ينفع المال والبنون إلا هذا الشخص فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البرّ وبنوه الصلحاء لأنه علمهم وأحسن إليهم ، الثالث : أنه بدل من المفعول المحذوف ومستثنى منه إذ التقدير لا ينفع مال ولا بنون أحدا من الناس إلا من كانت هذه صفته.
واختلف في القلب السليم على أوجه : قال الرازي أصحها : أنّ المراد منه سلامة النفس عن الجهل والأخلاق الرذيلة ، الثاني : أنه الخالص من الشرك والنفاق وهو قلب المؤمن وجرى على هذا الجلال المحلي وأكثر المفسرين ، فإنّ الذنوب قل أن يسلم منها أحد ، وهذا معنى قول سعيد بن المسيب. السليم : هو الصحيح وهو قلب المؤمن فإن قلب الكافر والمنافق مريض ، قال تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [البقرة : ١٠] الثالث : أنه الذي سلم وسلّم وأسلم وسالم واستسلم ، الرابع : أنه هو اللديغ أي : القلق المنزعج من خشية الله ، لكن قال الزمخشريّ : أنّ القولين الأخيرين من بدع التفاسير.
وقوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) حال من واو يبعثون ، ومعنى أزلفت قربت أي : قربت الجنة (لِلْمُتَّقِينَ) فتكون قريبة من موقف السعداء ينظرون إليها ويفرحون بأنهم المحشورون إليها زيادة إلى شرفهم.
(وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ) أي : كشفت وظهرت النار الشديدة (لِلْغاوِينَ) أي : الكافرين فيرونها مكشوفة ويحشرون على أنهم المسوقون إليها زيادة في هوانهم.
تنبيه : في اختلاف الفعلين بترجيح لجانب الوعد على الوعيد حيث قال في حق المتقين وأزلفت أي : قربت وفي حق الغاوين وبرّزت أي : أظهرت ولا يلزم من الظهور القرب.
(وَقِيلَ لَهُمْ) تبكيتا وتنديما وتوبيخا ، وأبهم القائل ليصلح لكل أحد تحقيرا لهم ، ولأنّ المراد نفس القول لا كونه من معين (أَيْنَ ما) أي : أين الذي (كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ) في الدنيا.
ثم حقر معبوداتهم بقوله تعالى : (مِنْ دُونِ) أي : من أدنى رتبة من رتب (اللهِ) أي : الملك الذي لا كفء له ، وكنتم تزعمون أنهم يشفعون لكم ويقونكم شرّ هذا اليوم (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) بدفع العذاب عنكم (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) بدفعه عن أنفسهم.
(فَكُبْكِبُوا) أي : فتسبب عن عجزهم أن ألقوا (فِيها) أي : في مهواة الجحيم (هُمْ) أي : الأصنام وما شابهها من الشياطين ونحوهم (وَالْغاوُونَ) أي : الذين ضلوا بهم ، والكبكبة : تكرار