وهذا أوفق لمذهب البصريين ، ثانيها : قال أبو حيان : أنه منصوب على التوهم لأن خبر لعل جاء مقرونا بأن كثيرا في النظم وقليلا في النثر ، فمن نصب توهم أن الفعل المرفوع الواقع خبرا منصوب بأن والعطف على التوهم كثير وإن كان لا ينقاس ، ثالثها : على جواب الترجي في لعل وهو مذهب كوفي وإلى هذا نحا الزمخشري وتبعه البيضاوي قال : وهو الأولى تشبيها للترجي بالتمني والباقون عطفا على أبلغ أي : فلعله يتسبب عن ذلك ويتعقبه أني أتكلف الطلوع (إِلى إِلهِ مُوسى) ولعله أراد أن يبني له صرحا في موضع عال يرصد فيه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله تعالى إياه أو أن يرى فساد قول موسى ، فإن إخباره عن إله السماء يتوقف على اطلاعه ووصوله إليه وذلك لا يتأتى إلا بالصعود إلى السماء وهو مما لا يقوى عليه الإنسان وذلك لجهله بالله تعالى وكيفية أسبابه (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ) أي : موسى عليهالسلام (كاذِباً) في دعوى الرسالة وفي أن له إلها غيري قال فرعون ذلك تمويها (وَكَذلِكَ) أي : مثل ذلك التزيين العظيم الشأن (زُيِّنَ) أي : زين المزين النافذ الأمر وهو الله تعالى حقيقة بخلقه وإلزامه لأن كل ما دخل في الوجود من المحدثات فهو خلقه والشيطان مجازا بالتسبب بالوسوسة التي هي بخلق الله تعالى (لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ) في جميع أمره فأقبل عليه راغبا فيه مع بعده عن عقل أقل ذوي العقول فضلا عن ذوي الهمم منهم فضلا عن الملوك وأطاعه فيه قومه وقرأ غير الكوفيين (وَصُدَّ) بفتح الصاد أي : نفسه ومنع غيره ، وقرأ الكوفيون بضمها أي : منعه الله تعالى (عَنِ السَّبِيلِ) أي : طريق الهدى وهي الموصلة إلى الله تعالى (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ) أي : في إبطال ما جاء به موسى عليهالسلام (إِلَّا فِي تَبابٍ) أي : خسار وهلاك عظيم محيط به لا يقدر على الخروج منه.
ولما كان فساد ما قال فرعون أظهر من أن يحتاج إلى بيان أعرض المؤمن عنه : (وَقالَ الَّذِي آمَنَ) أي : مشيرا إلى وهن قول فرعون بالإعراض عنه بقوله : (يا قَوْمِ) أي : يا من لا قيام لي إلا بهم وأنا غير متهم في نصيحتهم (اتَّبِعُونِ) أي : كلفوا أنفسكم اتباعي لأن السعادة غالبا تكون فيما يكره الإنسان (أَهْدِكُمْ سَبِيلَ) أي : طريق (الرَّشادِ) أي : الهدى لأنه مع سهولته واتساعه موصل ولا بد إلى المقصود ، وأما ما قال فرعون مدعيا أنه سبيل الرشاد فلا يوصل إلا إلى النار فهو تعريض به شبيه بالتصريح به ، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي لأدنى أهل الإيمان أن لا يخلي نفسه عن الوعظ لغيره ، وقرأ ابن كثير بإثبات الياء بعد النون وقفا ووصلا ، وأثبتها قالون وأبو عمرو وصلا لا وقفا ، وحذفها الباقون وصلا ووقفا.
ثم إن ذلك المؤمن زهدهم في الدنيا وكرر : (يا قَوْمِ) كما كرر إبراهيم عليهالسلام (يا أَبَتِ) زيادة في استعطافهم بقوله : (إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ) وحقرها بقوله : (الدُّنْيا) إشارة إلى دناءتها بقوله : (مَتاعٌ) إشارة إلى أنها جيفة لأنها في اللغة من جملة مدلولات المتاع فلا يتناول منها إلا كما يتناول المضطر من الجيفة لأنها دار النقلة والزوال والتزود والارتحال ، والإخلاد إليها هو أصل الشر كله ومنه تشعب جميع ما يؤدي إلى سخط الله تعالى ويجلب الشقاوة في العاقبة ثم رغبهم في الآخرة بقوله : (وَإِنَّ الْآخِرَةَ) أي : لكونها مقصودة بالذات (هِيَ دارُ الْقَرارِ) أي : التي لا تحول منها أصلا لأنها الوطن المستقر ، قال بعض العارفين : لو كانت الدنيا ذهبا فانيا والآخرة خزفا باقيا لكانت الآخرة خيرا من الدنيا فكيف والدنيا خزف فان والآخرة ذهب باق بل أشرف وأحسن ، وكما