أي : بالأمر الذي لا حقيقة له وليس له من ذاته إلا الزوال كما تفعل قريش ومن ضاهاهم من العرب ثم بين علة مجادلتهم بقوله تعالى : (لِيُدْحِضُوا) أي : ليزيلوا (بِهِ الْحَقَ) أي : الذي جاءت به الرسل عليهمالسلام (فَأَخَذْتُهُمْ) أي : أهلكتهم وهم صاغرون ، وقرأ ابن كثير وحفص بإظهار الذال والباقون بالإدغام (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) لهم أي : هو واقع موقعه وهم يمرون على ديارهم ويرون أثرهم وهذا تقريع فيه معنى التعجب.
تنبيه : حذفت ياء المتكلم إشارة إلى أن أدنى شيء من عذابه بأدنى نسبة كاف في المراد.
ولما كان التقدير فحقت عليهم كلمة الله تعالى عطف عليه (وَكَذلِكَ) أي : ومثل ما حقت عليهم كلمتنا بالأخذ (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك وهي (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) الآية (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) لكفرهم ، وقرأ نافع وابن عامر بألف بعد الميم على الجمع والباقون بغير ألف على الإفراد ، وقوله : (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) في محل رفع بدل من (كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي : مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم من أصحاب النار ومعناها : كما وجب إهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستأصل كذلك وجب هلاكهم بعذاب النار في الآخرة أو في محل نصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل.
ولما بين تعالى أن الكفار بالغوا في إظهار العداوة للمؤمنين بقوله : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) وما بعده ، بين تعالى أن الملائكة الذين هم حملة العرش والحافون حوله يبالغون في إظهار المحبة والنصر للمؤمنين فقال تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) وهو مبتدأ وقوله : (وَمَنْ حَوْلَهُ) عطف عليه وقوله تعالى : (يُسَبِّحُونَ) خبره (بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) أي : المحسن إليهم ، قال شهر بن حوشب : حملة العرش ثمانية أربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك فلك الحمد على حلمك بعد علمك ، وأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك فلك الحمد على عفوك بعد قدرتك قال : وكأنهم يرون ذنوب بني آدم وقيل : إنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمر الله تعالى بأربعة أخر كما قال تعالى : (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) [الحاقة : ١٧] وهم من أشراف الملائكة وأفضلهم لقربهم من محل رحمة ربهم قال ابن الخازن : وجاء في الحديث : أن لكل ملك منهم وجه رجل ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة جناحان منها على وجه مخافة أن ينظر إلى العرش فيضعف وجناحان يهفو بهما في الهواء ، ليس لهم كلام غير التسبيح والتحميد والتكبير والتمجيد ، ما بين أظلافهم إلى ركبهم كما بين سماء إلى سماء. وقال ابن عباس : حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام ، ويروى أن أقدامهم في تخوم الأرض والأرضون والسموات إلى حجزتهم وهم يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الحي الذي لا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، وقال ميسرة بن عرفة : أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة وأهل السماء السابعة أشد خوفا من أهل السماء التي تليها والتي تليها أشد خوفا من التي تليها. وقال مجاهد : بين الملائكة والعرش سبعون ألف حجاب من نور وسبعون ألف حجاب من ظلمة. وعن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه