مخالفة أمر الله تعالى ورسوله عليهالسلام ، وفي ذلك تسلية للنبيّ صلىاللهعليهوسلم لأنه قد يغتم بتكذيب قومه مع ظهور المعجزات عليه فنبه الله تعالى بهذا الذكر على أنّ له أسوة بموسى وغيره (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ) أي : أهل مصر الذين شاهدوها والذين وعظوا بسماعها (مُؤْمِنِينَ) أي : متصفين بالإيمان الثابت ، أما القبط فما آمن منهم إلا السحرة ومؤمن آل فرعون وامرأة فرعون والمرأة التي دلتهم على عظام يوسف عليهالسلام ، وأما بنو إسرائيل فكان كثير منهم متزلزلا يتعنت كل قليل ويقول ويفعل ما هو كفر حتى تداركهم الله تعالى على يدي موسى عليهالسلام ومن بعده ، وأول ما كان من ذلك سؤالهم إثر مجاوزة البحر أن يجعل لهم إلها كالأصنام التي مرّوا عليها ، وأمّا غيرهم ممن تأخر عنهم فحالهم معروف وأمرهم مشاهد مكشوف فقد سألوه بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وطلبوا رؤية الله جهرة.
(وَإِنَّ رَبَّكَ) أي : المحسن إليك بإعلاء أمرك واستنقاذ الناس من ظلام الجهل على يدك (لَهُوَ الْعَزِيزُ) أي : القادر على الانتقام من كل فاجر (الرَّحِيمُ) بعباده لأنه تعالى أفاض عليهم نعمه وكان قادرا على أن يهلكهم ، فدل ذلك على كمال رحمته وسعة جوده وفضله.
ولما أتم سبحانه وتعالى ما أراد من قصة موسى عليهالسلام ليعرف محمدا صلىاللهعليهوسلم أن تلك المحن التي أصابته كانت حاصلة لموسى ، أتبعه دلالة على رحمته وزيادة في تسلية نبيه قصة إبراهيم عليهالسلام وهي القصة الثانية بقوله تعالى :
(وَاتْلُ) أي : اقرأ قراءة متتابعة يا أشرف الخلق (عَلَيْهِمْ) أي : كفار مكة وقوله تعالى : (نَبَأَ) أي : خبر (إِبْراهِيمَ) قراءة نافع وابن كثر وأبو عمرو في الوصل بتسهيل الهمزة الثانية ، وحققها الباقون ، وفي الابتداء بالثانية الجميع يحققون ويبدل منه.
(إِذْ) أي : حين (قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) منبها لهم على ضلالهم لا مستعلما لأنه كان عالما بحقيقة حالهم ولكنه سألهم بقوله : (ما) أي : أي شيء (تَعْبُدُونَ) أي : تواطئون على عبادته ليريهم أن ما يعبدونه ليس من استحقاق العبادة في شيء كما تقول للتاجر ما مالك وأنت تعلم أن ماله الرقيق ، ثم تقول الرقيق جمال وليس بمال.
(قالُوا) في جوابه (نَعْبُدُ أَصْناماً) ، فإن قيل : قوله عليهالسلام ما تبعدون سؤال عن المعبود فحسب ، فكان القياس أن يقولوا أصناما كقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) [البقرة : ٢١٩] وكذا قوله تعالى : (ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَ) [سبأ : ٢٣] وكقوله تعالى : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) [النحل : ٣٠] أجيب : بأنّ هؤلاء قد أجابوا بقصة أمرهم كاملة كالمبتهجين بها والمفتخرين فاشتملت على جواب إبراهيم عليهالسلام وعلى ما قصدوه من إظهار ما في نفوسهم من الابتهاج والافتخار ، ألا تراهم كيف عطفوا على قولهم : نعبد (فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) ولم يقتصروا على زيادة نعبد وحده ، ومثاله أن تقول لبعض الشطار ما تلبس في بلادك فيقول : ألبس البرد الأتحمي فأجر ذيله بين جواري الحيّ ، وإنما قالوا نظل لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل ، يقال ظلّ يفعل كذا إذا فعل بالنهار ، والعكوف : الإقامة على الشيء.
ثم إن إبراهيم عليهالسلام. (قالَ) منبها على فساد مذهبهم (هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) أي : يسمعون دعاءكم أو يسمعونكم تدعون فحذف ذلك لدلالة (إِذْ) أي : حين (تَدْعُونَ) عليه ، فعلى الأول : هي متعدّية لواحد اتفاقا ، وعلى الثاني : هي متعدية لاثنين قامت الجملة المقدرة مقام الثاني وهو قول الفارسيّ ، وعند غيره الجملة المقدرة حال ، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار