(فَصَعِقَ) أي : مات (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) واختلف فيمن استثنى الله تعالى بقوله سبحانه : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) فقال الحسن : هو الله وحده وقال ابن عباس : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت عليهمالسلام ، ثم يميت الله تعالى ميكائيل وإسرافيل وجبريل وملك الموت ، وقيل : حملة العرش ، وقيل : الحور والولدان ، وقيل : الشهداء لقوله تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران : ١٦٩] وروى أبو هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «هم الشهداء متقلدون أسيافهم حول العرش» (١). وقال جابر : هو موسى عليهالسلام لأنه صعق فلا يصعق ثانيا وقال قتادة : الله أعلم بهم وليس في القرآن والأخبار ما يدل على أنهم من هم وهذا أسلم ، (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ) أي : في الصور نفخة (أُخْرى) أي : نفخة ثانية (فَإِذا هُمْ) أي : جميع الخلائق الموتى (قِيامٌ) أي : قائمون (يَنْظُرُونَ) أي : يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب جسيم ، وقيل : ينتظرون أمر الله تعالى فيهم وهذا يدل على أن هذه النفخة متأخرة عن النفخة الأولى لأن لفظة ثم للتراخي ، وروى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما بين النفختين أربعون قالوا : أربعون يوما ، قال أبو هريرة : أبيت ، قالوا : أربعون شهرا ، قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ، قال : أبيت ، قال : ثم ينزل الله تعالى من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة» (٢) وقوله تعالى : (فَإِذا هُمْ) يدل على أن قيامهم يحصل عقب هذه النفخة الأخيرة في الحال من غير تراخ لأن الفاء تدل على التعقيب.
ولما ذكر تعالى إقامتهم بالحياة التي هي نور البدن أتبعه بنور أرض القيامة فقال : (وَأَشْرَقَتِ) أي : أضاءت إضاءة عظيمة مالت بها إلى الحمرة (الْأَرْضُ) أي : التي أوجدت لحشرهم وليست بأرضنا الآن لقوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) [إبراهيم : ٤٨]. (بِنُورِ رَبِّها) أي : خالقها وذلك حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين خلقه قال صلىاللهعليهوسلم : «سترون ربكم» (٣) وقال : «كما لا تضارون في الشمس في يوم الصحو» (٤) وقال الحسن والسدي : بعدل ربها. (وَوُضِعَ الْكِتابُ) أي : كتاب الأعمال للحساب لقوله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء : ١٣] وقوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩] وقيل : الكتاب اللوح المحفوظ تقابل به الصحف ، وقيل : الكتاب الذي أنزل إلى كل أمة تعمل به ، واقتصر على هذا البقاعي. (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ) أي : للشهادة على أممهم واختلف في قوله تعالى : (وَالشُّهَداءِ) فقال ابن عباس : يعني الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة وهم : محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه لقوله تعالى : (جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣] وقال عطاء ومقاتل : يعني الحفظة لقوله تعالى : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق : ٢١] وقيل : هم المستشهدون في سبيل الله.
__________________
(١) أخرجه ابن حجر في المطالب العالية ٣٧٢١.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٩٣٥ ، ومسلم في الفتن حديث ٢٩٥٥.
(٣) أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة حديث ٥٥٤ ، ومسلم في المساجد حديث ٦٣٣ ، وأبو داود في السنة حديث ٤٧٢٩.
(٤) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٨٣.