ولما كان
التقدير فأطاعوا أمره ونفروا على كل صعب وذلول ، عطف عليه قوله تعالى بما آل إليه
أمرهم. (فَأَخْرَجْناهُمْ) أي : فرعون وجنوده بما لنا من القدرة من مصر ليلحقوا
بموسى وقومه إخراجا حثيثا مما لا يسمح أحد بالخروج منه (مِنْ جَنَّاتٍ) أي : بساتين كانت على جانبي النيل يحق لها أن تذكر (وَعُيُونٍ) أي : أنهار جارية في الدور من النيل ، وقيل : عيون تخرج
من الأرض لا يحتاج معها إلى نيل ولا مطر.
(وَكُنُوزٍ) أي : أموال ظاهرة من الذهب والفضة وسميت كنوز لأنها لم
يعط حق الله منها وما لم يعط حق الله تعالى منه فهو كنز وإن كان ظاهرا ، قيل : كان
لفرعون ثمانمائة ألف غلام كل غلام على فرس عتيق في عنق كل فرس طوق من ذهب (وَمَقامٍ) من المنازل (كَرِيمٍ) أي : مجلس حسن للأمراء والوزراء يحفه اتباعهم ، وعن
الضحاك : المنابر وقيل : السرر في الحجال ، وذكر بعضهم أنه كان إذا قعد على سريره
وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من ذهب يجلس عليها الأشراف عليهم الأقبية من الديباج
مخوصة بالذهب.
(كَذلِكَ) أي : إخراجنا كما وصفنا (وَأَوْرَثْناها) أي : تلك النعم السنية بمجرّد خروجهم بالقوّة وبعد
إغراق فرعون وجنوده بالفعل (بَنِي
إِسْرائِيلَ) أي : جعلناهم بحيث يرثونها لأنا لم نبق لهم مانعا
يمنعهم منها بعد أن كانوا مستعبدين بين أيدي أربابها ، واستشكل إرثهم لها بالفعل
لقوله تعالى في الدخان (قَوْماً
آخَرِينَ) [الدخان ، ٢٨] وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى في ذلك المحل. بل
قيل : إنّ بني إسرائيل لم يرجعوا إلى مصر بعد ذلك.
ولما وصف تعالى
الإخراج وصف أثره بقوله تعالى : مرتبا عليه بالفعل وعلى الإيراث بالقوّة : (فَأَتْبَعُوهُمْ) أي : جعلوا أنفسهم تابعة لهم (مُشْرِقِينَ) أي : داخلين في وقت شروق الشمس بطلوعها صبيحة الليلة
التي سار فيها بنو إسرائيل ، ولولا تقدير العزيز العليم بخرق ذلك للعادة لم يكن
ذلك على حكم العادة في أقل من عشرة أيام فإنه تعجز الملوك عن مثله ، واستمرّوا إلى
أن لحقوهم عند بحر القلزم.
(فَلَمَّا
تَراءَا الْجَمْعانِ) أي : رأى كل منهما الآخر (قالَ
أَصْحابُ مُوسى) ضعفا وعجزا استصحابا لما كانوا فيه عندهم من الذل ،
ولأنهم أقل منهم بكثير بحيث يقال إن طليعة آل فرعون كانت على عدد بني إسرائيل وذلك
محقق لتقليل فرعون لهم ، وكأنه عبر عنهم بأصحاب دون بني إسرائيل ؛ لأنه كان قد آمن
كثير من غيرهم (إِنَّا
لَمُدْرَكُونَ) أي : يدركنا فرعون وقومه وقد صرنا بين سدّين العدّو
وراءنا والبحر أمامنا ولا طاقة لنا بذلك.
(قالَ) أي : موسى عليهالسلام وثوقا بوعد الله تعالى (كَلَّا) أي : لا يدركونكم أصلا ، ثم علل ذلك تسكينا لهم بقوله (إِنَّ مَعِي رَبِّي) أي : بنصره فكأنهم قالوا وما عساه يفعل وقد وصلونا قال (سَيَهْدِينِ) أي : يدلني على طريق النجاة ، روي : أن مؤمن آل فرعون
كان بين يدي موسى عليهالسلام فقال أين تذهب فهذا البحر أمامك وقد غشيك آل فرعون قال
: أمرت بالبحر ولعلي أؤمر بما أصنع.
(فَأَوْحَيْنا) أي : فتسبب عن كلامه الدال على المراقبة أنا أوحينا
ونوّه باسم الكليم جزاء له على ثقته به سبحانه وتعالى ، فقال تعالى : (إِلى مُوسى) وفسر الوحي الذي فيه معنى القول بقوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ
بِعَصاكَ الْبَحْرَ) أي : الذي أمامكم وهو بحر القلزم الذي يتوصل أهل مصر
منه