الدنيا أنه نازل بهم في الآخرة. وقال السدي : ظنوا أن أعمالهم حسنات فبدلت لهم سيئات لأنهم كانوا يتقربون إلى الله تعالى بعبادة الأصنام ويظنونها حسنات فبدت لهم سيئات.
ثالثها قوله تعالى : (وَبَدا لَهُمْ) أي : ظهر ظهورا تاما (سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي : مساوئ أعمالهم من الشرك وظلم أولياء الله تعالى (وَحاقَ) أي : نزل (بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : يطلبون ويوجدون الهزء في العذاب.
ثم حكى الله تعالى عنهم طريقة أخرى من طرائقهم الفاسدة بقوله تعالى : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ) أي : الجنس (ضُرٌّ) أي : فقر أو مرض أو غير ذلك (دَعانا) أي : في دفع ذلك ، فإن قيل : ما السبب في عطف هذه الآية بالفاء وعطف مثلها في أول السورة بالواو؟ أجيب : بأن السبب في ذلك أن هذه وقعت مسببة عن قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ) على معنى أنهم يشمئزون عن ذكر الله ويستبشرون بذكر آلهتهم فإذا مس أحدهم ضر دعا من اشمأز من ذكره دون من استبشر بذكره فقوله تعالى : (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ) معطوف على قوله تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) وما بينهما اعتراض مؤكد لإنكار ذلك عليهم هذا محصل كلام الزمخشري ، واعترضه أبو حيان بأن أبا علي يمنع الاعتراض بجملتين فكيف بهذه الجمل الكثيرة ثم قال : والذي يظهر في الربط أنه لما قال (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) [الزمر : ٤٧] الآية وكان ذلك إشعارا بما ينال الظالمين من شدة العذاب وأنه يظهر لهم يوم القيامة العذاب أتبع ذلك بما يدل على ظلمه وبغيه إذ كان إذا مسه ضر دعا الله تعالى فإذا أحسن إليه لم ينسب ذلك إليه كما قال تعالى : (ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ) أي : أعطيناه (نِعْمَةً مِنَّا) أي : تفضلا فإن التحويل يختص به (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ) أي : المنعم به (عَلى عِلْمٍ) أي : على علم من الله تعالى إني له أهل. وقيل : إن كان ذلك سعادة في المال أو عافية في النفس يقول : إنما حصل ذلك بجده واجتهاده وإن كان صحة قال : إنما حصل ذلك بسبب العلاج الفلاني وإن حصل مال يقول : حصل بكسبي وهذا تناقض أيضا لأنه لما كان عاجزا محتاجا أضاف الكل إلى الله تعالى ، وفي حال السلامة والصحة قطعه عن الله تعالى وأسنده إلى كسب نفسه وهذا تناقض قبيح (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) أي : بلية يبتلي بها العبد.
فإن قيل : كيف ذكر النعمة أولا في قوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ) ثم أنثها ثانيا؟ أجيب : بأنه ذكر أولا لأن النعمة بمعنى المنعم به كما مر وقيل : تقديره شيئا من النعمة وأتت ثانيا اعتبارا بلفظها أو لأن الخبر لما كان مؤنثا أعني فتنة ساغ تأنيث المبتدأ لأجله لأنه في معناه كقولهم ما جاءت حاجتك وقيل : هي أي : الحالة أو القولة كما جرى عليه الجلال المحلي أو العطية أو النعمة كما قاله البقاعي (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أي : أكثر هؤلاء القائلين هذا الكلام (لا يَعْلَمُونَ) أن التخويل استدراج وامتحان.
(قَدْ قالَهَا) أي : القولة المذكورة وهي قوله : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) لأنها كلمة أو جملة من القول (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : من الأمم الماضية. قال الزمخشري : هم قارون وقومه حيث قال إنما أوتيته على علم عندي ، وقومه راضون به فكأنهم قالوها. قال : ويجوز أن يكون في الأمم
__________________
في الرقاق باب ١٠٥ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣١٣ ، ٣٧٠ ، ٤٠٧ ، ٤١٦ ، ٤٣٨ ، ٤٦٢ ، ٤٦٦ ، ٤٩٥ ، ٥٠٦ ، ٥ / ٣٣٤.