موسى وهارون عليهماالسلام.
ولما آمن السحرة بأجمعهم لم يأمن فرعون أن يقول قومه : إنّ هؤلاء السحرة على كثرتهم وبصيرتهم لم يؤمنوا إلا عن معرفة بصحة أمر موسى عليهالسلام فيسلكون طريقهم ، فلبس على القوم وبالغ في التنفير عن موسى من وجوه :
أحدها : أن. (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ) أي : لموسى (قَبْلَ أَنْ آذَنَ) أي : أنا (لَكُمْ) فمسارعتكم إلى الإيمان به دالة على ميلكم إليه.
تنبيه : ههنا همزتان مفتوحتان ، قرأ الجميع بإبدال الثانية ألفا ، وحقق الثانية حمزة والكسائي وشعبة ، وسهلها الباقون غير حفص فإنه أسقط الأولى والثانية عنده هي المبدوء بها.
ثانيها : قوله (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) وهذا تصريح بما رمز به أولا وتعريض منه بأنهم فعلوا ذلك عن مواطأة بينهم وبين موسى وقصروا في السحر ليظهروا أمر موسى وإلا ففي قوة السحر أن تفعلوا مثل ما يفعل.
ثالثها : قوله (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وهو وعيد وتهديد شديد.
رابعها : قوله : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أي : يد كل واحد اليمنى ورجله اليسرى (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) وهذا الوعيد من أعظم الإهلاكات.
ثم إنهم أجابوا عن هذه الكلمات من وجهين : الأول : قولهم : (قالُوا لا ضَيْرَ) أي : لا ضرر علينا وخبر لا محذوف تقديره في ذلك (إِنَّا) أي : بفعلك ذلك فينا إن قدّرك الله تعالى عليه (إِلى رَبِّنا) الذي أحسن إلينا بالهداية بعد موتنا بأي وجه كان (مُنْقَلِبُونَ) أي : راجعون في الآخرة.
الثاني : قولهم : (إِنَّا نَطْمَعُ) أي : نرجو (أَنْ يَغْفِرَ) أي : يستر سترا بليغا (لَنا رَبُّنا خَطايانا) أي : التي قدمناها على كثرتها ثم عللوا طمعهم مع كثرة الخطايا بقولهم : (أَنْ كُنَّا) أي : كونا هو لنا كالجبلة (أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : من أهل هذا المشهد أو من رعية فرعون أو من أهل زمانهم ولما ظهر من أمر فرعون ما شاهدوه وخيف أن يقع منه ببني إسرائيل وهم الذين آمنوا وكانوا في قوم موسى عليهالسلام ما يؤدّي إلى الاستئصال أمره الله تعالى أن يسري بهم كما قال تعالى :
(وَأَوْحَيْنا) أي : بما لنا من العظمة حين أردنا فصل الأمر وإنجاز الموعود (إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ) ليلا (بِعِبادِي) وذلك بعد سنين أقام بين أظهرهم يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوّا وفسادا ، وقرأ نافع وابن كثير بكسر النون ووصل الهمزة بعدها من سرى ، وقرأ الباقون بسكون النون وقطع الهمزة بعدها ، ثم علل أمره له بالسير في الليل بقوله تعالى : (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي : لا تظنّ أنهم لكثرة ما رأوا من الآيات يكفون عن اتباعكم فأسرع بالخروج لتبعدوا عنهم إلى الموضع الذي قدرت في الأزل أن يظهر بحري ، والمراد : يوافقهم عند البحر ، ولم يكتم اتباعهم عن موسى لعدم تأثره به ، والمعنى : أني بنيت تدبير أمركم وأمرهم على أن تتقدّموا ويتبعوكم حتى يدخلوا مدخلكم ويسلكوا مسلككم من طريق البحر فأطبقه عليهم.
روي : أنه مات في تلك الليلة في كل بيت من بيوتهم ولد فاشتغلوا بموتاهم حتى خرج موسى بقومه. وروي أنّ الله تعالى أوحى إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أربعة أبيات في بيت ثم