فواكه وفي الفواكه جمع فاكهة قولان :
أحدهما : أنها عبارة عما يؤكل للتلذذ لا للحاجة وأرزاق أهل الجنة كلها فواكه ؛ لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات فإن أجسامهم محكمة مخلوقة للأبد فكل ما يأكلونه فعلى سبيل التلذذ.
والثاني : أن المقصود بذكر الفاكهة التنبيه بالأدنى على الأعلى أي : لما كانت الفاكهة حاضرة أبدا كان المأكول للغذاء أولى بالحضور.
(وَهُمْ مُكْرَمُونَ) أي : في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال لا كما عليه رزق الدنيا.
ولما ذكر مأكلهم ذكر مسكنهم بقوله تعالى : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي : في جنات ليس فيها إلا النعيم وهو متعلق بمكرمون أو خبر ثان لأولئك أو حال من المستكن في مكرمون وقوله تعالى : (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) أي : لا يرى بعضهم قفا بعض حال ، ويجوز أن يتعلق على سرر بمتقابلين.
ولما ذكر سبحانه وتعالى المأكل والمسكن ذكر بعد ذلك صفة المشرب بقوله تعالى : (يُطافُ عَلَيْهِمْ) أي : على كل منهم (بِكَأْسٍ) أي : بإناء فيه خمر فهو اسم للإناء بشرابه فلا يكون كأسا حتى يكون فيه شراب وإلا فهو إناء ، وقيل : المراد بالكأس : الخمر كقول الشاعر (١) :
وكأس شربت على لذة |
|
وأخرى تداويت منها بها |
أي : رب كأس شربت لطلب اللذة وكأس شربت للتداوي من خمارها ، والكأس مؤنثة كما قاله الجوهري ، وقوله تعالى (مِنْ مَعِينٍ) أي : من شراب معين أو من نهر معين مأخوذ من عين الماء أي : يخرج من العيون كما يخرج الماء وسمي عينا لظهوره يقال : عان الماء إذا ظهر جاريا.
وقوله تعالى : (بَيْضاءَ) أي : أشد بياضا من اللبن قاله الحسن صفة لكأس ، وقال أبو حيان : صفة لكأس أو للخمر ، واعترض بأن الخمر لم يذكر ، وأجيب عنه : بأن الكأس إنما سميت كأسا إذا كان فيها الخمر وقوله تعالى (لَذَّةٍ) صفة أيضا وصفه بالمصدر مبالغة كأنها نفس اللذة وعينها كما يقال : فلان جود وكرم إذا كان المراد المبالغة ، وقال الزجاج : أو على حذف المضاف أي : ذات لذة وقوله تعالى (لِلشَّارِبِينَ) أي : بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند الشرب ، صفة للذة ، وقال الليث : اللذة واللذيذة يجريان مجرى واحد في النعت يقال : شراب لذ ولذيذ.
وقوله تعالى : (لا فِيها غَوْلٌ) صفة أيضا ، واختلف في الغول فقال الشعبي أي : لا تغتال عقولهم فتذهب بها وقال الكلبي : معناه الإثم أي : لا إثم فيها ، وقال قتادة : وجع البطن ، وقال الحسن : صداع ، وقال أهل المعاني الغول : فساد يلحق في خفاء يقال : اغتاله اغتيالا إذا أفسد عليه أمره في خفية ، وخمر الدنيا يحصل منها أنواع الفساد منها السكر وذهاب العقل ووجع البطن والصداع والقيء والبول ولا يوجد شيء من ذلك في خمر الجنة (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) أي : يسكرون ، وقرأ حمزة والكسائي بكسر الزاي من أنزف الشارب إذا نزف عقله من السكر ، والباقون بفتحها من نزف الشارب نزيفا إذا ذهب عقله أفرده بالذكر وعطفه على ما يعمه ؛ لأنه من عظم فساده
__________________
(١) يروى البيت بلفظ :
وكأس شربت على لذّة |
|
دهاق ترنّح من ذاقها |
والبيت من المتقارب ، وهو بلا نسبة في أساس البلاغة (رنح) ، وتاج العروس (رنج).