كأنه جنس برأسه.
ولما ذكر تعالى صفة مشروبهم ذكر عقبه صفة منكوحهم بقوله تعالى : (وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي : حابسات الأعين غاضات الجفون قصرن أبصارهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم لحسنهم عندهن وقوله تعالى (عِينٌ) جمع عيناء وهي الواسعة العين والذكر أعين قال الزجاج : كبار الأعين حسانها يقال : رجل أعين وامرأة عيناء ورجال ونساء عين.
(كَأَنَّهُنَ) أي : في اللون (بَيْضٌ) للنعام (مَكْنُونٌ) أي : مستور بريشه لا يصل إليه غبار ولونه وهو البياض في صفرة.
يقال : هذا أحسن ألوان النساء تكون المرأة مشربة بصفرة قال ذو الرمة في ذلك (١) :
بيضاء في ترح صفراء في غنج |
|
كأنها فضة قد مسها ذهب |
قال المبرد : والعرب تشبه المرأة الناعمة في بياضها وحسن لونها ببيضة النعامة ، وقال بعضهم : إنما شبهت المرأة بها في أجزائها فإن البيضة من أي جهة أتيتها كانت في رأي العين مشبهة للأخرى وهو في غاية المدح وقد لحظ هذا بعض الشعراء فقال (٢) :
تناسبت الأعضاء فيها فلا ترى |
|
بهن اختلافا بل أتين على قدر |
ويجمع البيض على بيوض قال الشاعر (٣) :
بتيهاء قفر والمطي كأنها |
|
قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها |
(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ) أي : بعض أهل الجنة (عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) معطوف على يطاف عليهم أي : يشربون فيتحادثون على الشراب قال القائل (٤) :
وما بقيت من اللذات إلا |
|
محادثة الكرام على المدام |
وأتى بقوله تعالى : (فَأَقْبَلَ) ماضيا لتحقق وقوعه كقوله تعالى (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) [الأعراف : ٤٤] وقوله تعالى (يَتَساءَلُونَ) حال من فاعل أقبل وتساؤلهم عن المعارف والفضائل وما جرى لهم وعليهم في الدنيا.
ولما ذكر تعالى أن أهل الجنة يتساءلون عند اجتماعهم على الشراب ويتحدثون كان من جملة كلماتهم أنهم يتذكرون ما كان حصل لهم في الدنيا مما يوجب الوقوع في عذاب الله تعالى ثم إنهم تخلصوا منه وهو ما حكاه الله تعالى عنهم بقوله : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) أي : من أهل الجنة في الجنة في مكالمتهم (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) أي : في الدنيا ينكر البعث.
__________________
(١) يروى صدر البيت بلفظ :
كحلاء في برج صفراء في دعج
والبيت من البسيط ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٣٣ ، وجمهرة اللغة ص ١٣٣١ ، وجمهرة أشعار العرب ص ٩٤٥ ، والكامل ص ٩٣٤ ، وبلا نسبة في المخصص ١ / ٩٨.
(٢) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.
(٣) البيت من الطويل ، وهو لعمرو بن أحمر في ديوانه ص ١١٩ ، والحيوان ٥ / ٥٧٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٢٠١ ، ولسان العرب (عرض) ، (كون).
(٤) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.